للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْيَى ثَعْلَبُ: كان أبو العَتَاهِيَة قد أكْثَرَ مَسْألَة الرَّشِيْد في عُتْبَة، فوعَدَهُ بتَزْوِيجها إنْ أجابَت، وتَجْهيزها. ثمّ إنَّ الرَّشِيْد سَنَح له شُغْل فحُجِبَ عنه أبو العَتَاهِيَة فدَفع إلى مَسْرُور الكَبِير ثلاثَ مَرَاوحَ، فدَخَل بها مُبْتسِمًا فقرأ الرَّشِيْدُ على أحديهنَّ (١):

[من الكامل]

ولقد تنسَّمْتُ الرِّيَاح لحاجَتي … فإذا لها من راحتَيْكَ نَسِيمُ (a)

قال: أحْسَنَ الخَبِيْثُ. وإذا على الأُخْرى:

أعْلَمتُ (b) نَفْسِي من رجائِكَ ما لَهُ … عَنَقٌ يَخُبُّ إليكَ بي ورَسِيْمُ (c)

فقال: وقد أجَادَ. وإذا على الأُخرى:

ولرُبَّما اسْتَيْأَسْتُ ثمّ أَقُولُ: لا، … إنَّ الّذي ضمِنَ النَّجَاحَ كَريمُ

فقال: قاتلَهُ الله، ثمّ دَعَا به فقال: ضَمنْتُ لك يا أبا العَتَاهِيَة وإنِّي قاعدٌ لقَضَاءِ حاجتِكَ.

وبَعَثَ إلى عُتْبَة: انْتَظريني اللَّيْلة في مَنْزِلك، فلي إليك حاجَةٌ، فصارَتْ هي إليه، فحلَف ألَّا يَذْكُر حَاجَتَهُ إلَّا عندَها، فلمَّا كان اللّيْلُ صارَ إليها في خَواصّ خَدَمِهِ، فقال: لستُ أذْكُر حاجتى أو تَضْمَنينَ لي قَضاءَهَا، قالت: أنا أَمَتُكَ وأمْرُكَ فيَّ نافِذٌ إلَّا أبا العَتَاهيَة؛ فإنِّي حلَفْتُ لأبيكَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بأيْمانٍ لا تُحدّ كفَّارتها بالمضيّ (d) إلى مَكَّة حافيةً، كُلّما قَضَيْتُ حَجَّةً وجَبَتْ حِجَّةٌ أُخرى، وكُلّما أفَدْتُ شيئًا تَصَدَّقْتُ به، وبَكَتْ بينَ يَدَيْهِ، فرَحمها ورَقَّ لها، وانْصَرَف عنها.

وغَدَا عليه أبو العَتَاهِيَة لا يَشُكُّ في الظَّفَر، فقال له: ما قصَّرتُ في أمْرك،


(a) المروج: شميم.
(b) المروج: أعلقت، الديوان: أشربت.
(c) في الأصل، ب: ويسيم، والتصويب من المروج والديوان، والرسيم ضرب من المشي فيوافق ما قبله.
(d) المروج: بالمشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>