للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِنْبَر، وكان يَصِيْحُ من الوجَع، وحُمِلَ إلى الحَمَّام إلى قريبٍ من غُروب الشَّمْس، فكان يتقَلَّب ظَهْرًا لبَطْن، ويَصِيحُ ويئنُّ فلِم يَسْكُن ما به، فحُمِلَ إلى بَيْتِه، وبقيَ فيه سَبْعَة أيَّامٍ لَم ينفَعْهُ (a) عِلَاجٌ، فلمَّا كان يَوْم الخَميْس سَابِع مَرضِه، ظَهَرتْ آثار سَكْرَة المَوْت، فوَدَّع أوْلَادَهُ، وأوْصَاهُم بالخَيْر، ونَهَاهُم عن لَطْمِ الخُدُود، وشَقِّ الجيُوب، والنِّيَاحَة، ورَفْعْ الصَّوْتِ بالبُكَاءِ، ثُمَّ دَعا بالمُقْرِئ أبي عَبْدِ الله خاصَّته حتَّى قرأ سُوْرة يسَ، وتغيَّر حالُهُ، وطابَ وَقْتُه، وكان يُعَالِج سَكَرات المَوْت إلى أنْ قرأ إسْنَادَ ما رُوِيَ أنَّ رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال (١): مَنْ كان آخر كَلامِهِ لا إله إلَّا اللهُ دَخَلَ الجنَّة.

ثمّ تُوفِّي، رَحِمَهُ اللهُ، من سَاعتِهِ عَصْرَ يَوْم الخَمِيْس، وحُمِلَتْ جنَازَتهُ منِ الغَدِ عَصْرَ يَوْم الجُمْعَة - إلى مَيْدَان الحُسَين - الرَّاِبِعِ من المُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، واجْتَمع من الخَلَائِق ما اللهُ أعْلَمُ بعَدَدِهم، وصَلَّى عليهِ ابنُه أبو بَكْر، ثمِّ أخُوه أبو يَعْلَى، ثمّ نُقِلَ إلى مَشْهَدِ أبيهِ في سِكَّة حَرْب، وكان مَوْلدهُ سَنَة ثَلاثٍ وسبْعِين وثَلاثِمائة، وكان وقْتَ وفاتهِ طاعنًا في سَبعْ وسَبْعِين.

قال الحافِظُ أبو القَاسِم (٢): أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو عليّ الحَسَنُ بن أبي طَاهِر الخُتَّلِيّ (b)، قال: تُوفِّي الأُسْتَاذُ أَبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ، رَحِمَهُ اللهُ، في


(a) ب: لا ينفعه.
(b) في الأصل و ب: الحنبلي، تصحيف وهو فقيه شافعي، انظر ترجمة ابن العديم له في موضعها من الجزء التالي (الجزء الخامس).

<<  <  ج: ص:  >  >>