للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشَّام والحِجَاز والجِبَال وغيرها من البِلَادِ، وحدَّث بخُرَاسَان إلى غَزْنَة وبِلَادِ الهنْد، وبجُرْجَانَ، وآمُلَ، وطَبَرِسْتانَ، والثُّغُورِ، وبالشَّام، وبَيْتِ المَقْدِس، والحِجَاز. وأَكْثرَ النَّاسُ السَّمَاعَ منهُ.

ورُزِقَ العِزّ والجاهَ في الدِّين والدُّنْيا، وكان جمالًا (a) للبلَدِ، زيْنًا للمَحَافِل والمَجَالِس، مَقْبُولًا عند المُوَافق والمُخَالف، مُجْمَعًا على أنَّه عديمُ النَّظير، وسَيْفُ السُّنَّة، ودَامغ أهْل البِدْعَة.

وكان أبُوه، أبو نَصْر من كِبَارى الوَاعِظيْنَ بنَيْسَابُور، ففُتِكَ بهِ لأجْل التَّعَصُّب والمَذْهَب، وقُتِلَ وهذا الإمَامُ صَبيٌّ (b) بَعْدُ، حَوْل تسع (c) سنيْنَ، وأُقْعِدَ بمَجَلِسِ الوَعْظ مقَام أبيهِ، وحضَر أئمَّةُ الوَقْت مَجَالِسَهُ، وأخَذَ الإمَامُ أبو الطَّيِّب الصُّعْلُوكيِّ في تَرْبيتِه وتَهْيئَةِ أسْبَابِه، وكان يَحْضُر مَجَالِسَهُ ويُثْنِي عليه، وكذلك سَائر الأئمّةِ كالأُسْتَاذ أبي إسْحاق الإسْفَرَاينيِّ، والأُسْتَاذ الإمَام أبي بَكْر بن فُوْرَك، وسائر الأئمَّةِ، ويتعجَّبُونَ من كَمَال ذَكَائهِ وعَقْلِهِ وِحُسْنِ إيرادِه الكَلَام، وحِفْظِه للأحَادِيْث (d) حتَّى كَبُرَ وبلغ مَبْلَغَ الرِّجَال، ولم يَزَل يتَفع شَأنُهُ حتَّى صَارَ إلى ما صَار إليه وهو في جميع أوْقَاتِهِ مُشْتَغل بكَثْرةِ العبَادَاتِ ووظائفِ الطَّاعَات، مُبالغٌ في العَفَاف والسَّدَادِ وصيَانَة النَّفْس، مَعْرُوف بحُسْن الصَّلاة، وطُول القُنُوت، واسْتِشْعَار الهَيْبَة حتَّى كان يُضْرَبُ بهِ المثَلُ.

وكان مُحْترِمًا للحَدِيْث، قَرأتُ من خَطِّ الفَقِيه أبي سَعْد السُّكَّرِيِّ أنَّهُ حَكَى عن بعض مَنْ يوثَقُ بقَوْله من الصَّالِحين أنَّهُ قال: ما رَوَيْتُ خَبَرًا (e) ولا أثرًا في المَجْلِس إلَّا وعندي إسْنَادُهُ، وما دَخَلْتُ بَيْتَ الكُتُب قَطُّ إلَّا على الطَّهَارَة، وما


(a) مهملة في الأصل وب، والإعجام من تاريخ ابن عساكر وسير أعلام النبلاء.
(b) ساقطة من ب.
(c) ابن عساكر سبع.
(d) ب: وحسن حفظه للكلام وإيراده الأحادث.
(e) ب: ما رأيت خيرًا!.

<<  <  ج: ص:  >  >>