للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ قَلْبي بالتَّلِّ تَلِّ عَزَاز … عند ظَبي من الظّبَاءِ الجَوَازي

شَادن يَسْكُنُ الشَّآمَ وفيهِ … مع شَكْل (a) العِرَاق ظَرْفُ الحِجَاز

يا لقَوْمي لبنْتَ قَسٍّ أصَابَتْ … منْكَ صفْوَ الهَوَى وليست تُجَازِي

حَلَفَتْ بالمَسِيْح أنْ تُنْجزَ الوَعْـ … ـدَ وليسَتْ تهمُّ (b) بالإنْجَاز

فسكن غَضَبُهُ، ثمّ قال لي: وَيْحَك أين كنتَ؟ فأخْبَرتُهُ فضَحِكَ، وقال: عُذْرٌ والله وأيّ عُذْر! وإنَّ مثْل هذا لطيِّبٌ اذا اتَّفَق، أَعِدْ عليَّ غِنَاءَكَ، فأعدْتُهُ فأُعْجِبَ به، وأمَرَني أنْ أُغَنِّيَه ليْلَتي كُلّها؛ أُعِيْدُه أبدًا ولا أغَنِّي أنا ولا غيري سِوَاه، وأمَرَ المُغَنِّين بأخْذه، فما زلتُ أُغَنِّيهِ ويَشْرب عليه إلى الغَدَاة. ثمّ انْصَرَفْنا فصَلَّيْتُ ونمْتُ، فما اسْتَقْرَرْتُ حيًا (c) حتَّى وَافَاني رَسُول الرَّشِيْد يأمرني بالحُضُور، فركبتُ ومَضَيْتُ، فلمَّا دَخَلْتُ إذا بابن جَامِع يَتَمرَّغ على دُكَّان في الدَّار لغَلَبة النَّبِيْذ والسُّكْر عليهِ، فقال لي: أتَدْري لِمَ دُعِيْنا؟ قُلتُ: لا، قال: لكنِّي أدْرِي، دُعِيْنا بسَبَب نَصْرَانيَّتُكَ الزَّانِيَة، عليها وعليكَ لَعْنةُ اللهِ، فضَحِكْتُ، فلمَّا خَرَجَ الرَّشِيْد إلينا أخْبَرتُه الخَبَر فضَحِكَ وقال: صَدَقَ، أعيْدُوه ولا تُغَنُّوَا غيره، فإنِّي اشْتَقْتُ إلى ما كُنَّا فيه لما فارقتُموني، فغَنَّيناهُ جَمِيعًا يَوْمنا كُلَّهُ حتَّى نام في مَوضِعه سُكْرًا، ثمّ انْصَرَفْنا.

قُلتُ: إنَّما أوْرَدتُ هذه الحِكايَة مع ما فيها من التَّظَاهُر بالفِسْق والمَعْصِيَة لأنَّهُ يُسْتَفادُ منها دُخُول إسْحاق إلى حَلَب بدُخُوله إلى عَزَاز، وليُفْهَم أنَّ إسْحاق لم يَكُن من أهْل رِوَايَة الحَدِيْث لأنَّهُ قد سَبَقَ من قَوْل سُفْيان أنَّهُ قال له: فلوَدَدْتُ أنَّ سَائر أصْحَاب الحَدِيْث كانُوا مثْلكَ، وإنَّما أراد فيما سَلَكَه معه من تَحَرِّي الصِّدْق، وكذلك ما سَبَق ذِكْرهُ من قَوْل إبْراهيم بن إسْحاق الحَرْبيِّ: كان إسْحاق المَوْصِليِّ ثِقَةً صَدُوقًا، ولوددْتُ أنِّي سَمِعْتُ منهُ، وإنَّما أراد فيما يَرْويه من النَّوَادر والشِّعْر والحِكَايَات، لا من الحَدِيْث، وأَنا أسْتَغْفرُ الله تعالى من إيْرَاد هذا ومثْله.


(a) الديوان: دلّ.
(b) الديوان: تجود.
(c) الأصل: حسنًا، الأغاني: فما استقررنا حتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>