المُكْثَ في هذا الجَبَل وهو يَتَخَطَّانا، فقعَدُوا لطَلبِه في لَيْلَتهم تلك، فأرْسَلَتْ إليه أنَّ القَوْمَ يُريدونَك، فكُن على حَذَر، وإيَّاكَ والغَفْلَةَ، فجاءَت السَّماءُ بمَطَر حال بينهم وبين طَلَبِه، ثمّ انجلَت السَّحَابُ وطَلَعَ القَمَر، فتطيَّبت الجَارِيَةُ، ونَشَرَت شَعْرها، وأُعْجِبَتْ بنَفْسها، واشْتَهَتْ أنْ يَرَاها على تلك الحال، فقالت لتِرْبٍ لها قد كانت أطْلَعَتْها على شأنها: يا فُلَانة، أسْعدِيْني على المُضي إليه، فَخَرَجَتا تُريدانه، وهو على الجَبَل خائفٌ من الطَّلَب لما حذَّرته، فبَصُر بشَخْصَين يَسِيران في القَمَر، فلم يَشُكَّ أنَّهما من الطَّالِبين له ليَقْتُلوهُ، فانتَزع بسَهْمٍ، فما أخْطَأ قَلْبَ صَاحِبَته، فسقَطَت مُضرَّجةً بدمائها، فلم تَزَل تَضْطَربُ حتَّى ماتَتْ، فبُهِتَ شَاخصًا يَنْظُر إليها، ثمّ أنْشَأ يقول:[من الكامل]
نَعَبَ الغُرَابُ بما كرهـ … ــت ولا إزالةَ للقَدَرْ
تبكي وأنْتَ قَتَلْتها … فاصْبِر وإلَّا فانْتَحِر
ثُمّ جَمَعَ نَبْلَهُ، فَجَعَل يَجَأُ بها أوْدَاجَهُ حتَّى قَتَل نَفْسَه
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن دَاوُد بن عُثْمان الدَّربَنْدِيّ بمَسْجِد الخَلِيل عليه السَّلام بحِبْرَى، وأبو عليّ حَسَن بن إبْراهيم بن هِبَةِ الله بن دِيْنار المِصْرِيّ بالقَاهِرَة، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفيِّ الأصْبَهَانيِّ، قال: أخْبَرَنا الرَّئِيسُ أبو عَبْدِ الله القَاسِم بن الفَضْل بن أحْمَد بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن الحَسَنِ الغَضَائِريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الأَسْوَد، قال: حَدَّثَنَا حَمَّاد بن إسْحاق المَوْصِليِّ، قال: أنْشَدَ شَاعِرٌ أبي ولم يُسَمِّه: [من الطويل]