المستقبل: فقانون العقوبات يصفي حساب الجناة، والقانون المدني يملي على المواطنين مسلكهم. لذلك كان من الاتساع المسيء أن أطلقت كلمة قانون على الحقائق الطبيعية الناتجة من الاختبار، كما في الطبيعة أو في الكيمياء. والذي ساعد على هذا الاتساع أن العلاقات التي يكشف عنها الاختبار في هذه العلوم بين الظواهر المختلفة هي علاقات دائمة، حتى ليبدو كأن القانون، وهو تعبير مجرد عن هذه العلاقات، سابق على الاختبار وإن كان من الواقع متأخرا عنه. ولكن من إساءة الاستعمال في اللغة على كل حال أن تضفي على القانون صفة الإلزام.
إن القوانين الصوتية لا تشبه حتى قوانين الطبيعة والكيمياء. فالذي يجمع بين حالين متتابعين في لغة واحدة إنما هو رباط تخلقه وليس رباطا طبيعيا، لذلك لا يمكن أن نعرف مقدما كيف يتطور هذا الصوت أو ذاك، لأنه يوجد دائما في تطور الأصوات عدد يكثر أو يقل من العوامل غير المنظورة التي تنتج أثرها. ومع ذلك فالقانوني الصوتي، بوصفه تعبيرا عن تغير وقع في الماضي، له صفة الإطلاق، هذه الصفة نتيجة لانسجام النظام الصوتي واطراد التغيرات "انظر ص٦٥". ولما كان التغير لا ينحصر في كلمة منعزلة، بل في آلية النطق نفسها، فإن جميع الكلمات التي تتبع آلية واحدة في النطق تتغير بنفس الصورة. هنا مبدأ القوانين اللغوية بأسره، وهذه القوانين ليست إلا عبارات تلخص هذه العمليات، وإلا قواعد من الارتباطات.
بواسطة القوانين الصوتية يمكننا أن نصوغ في بضع عبارات تاريخ الأصوات في لغة من اللغات أو أن نكشف عن سر التغيرات التي أصابتها. وإذا عرفت من اللغة كلمة يبرر القانون صيغتها، عرفت مقدما صيغة جميع الكلمات الأخرى التي تقع تحت طائلة هذا القانون. وإذا كان هناك لهجتان صادرتان عن لغة واحدة تبعا لقوانين خاصة، فإذن مظهرهما الصوتي يستبين بمعرفة هذه القوانين. وإذا عرف أن الألمانية قد أبدلت الـz "تس" من الـt "ت" القديمة الواقعة في أول الكلمة والتي احتفظت الإنجليزية بها، أمكن تفسير zahre في مقابلة tear "دمعة" ولكنا نفهم أيضا المقابلة التي بين zehn و ten "عشرة" وبين zwingen "يقسر"