للاحتفاظ بها كما خلقت دون تغيير, ولكن لا ينبغي لها أن تصير لغات حية؛ لأنها حينئذ لا تلبث أن يعتريها التغيير، فتنشأ بين الصيغ خلافات في القيمة، وتتغلب بعض الصيغ على بعضها الآخر، ويعمل قانون القياس عمله، وتحل الفوضى محل النظام الجميل. فالصيغ ذات الغلبة تصير مراكز إشعاع قياسي، وتجذب إليها غيرها من كل جانب لأسباب متنوعة، بعد ذلك توجد خطط قياسية متضاربة متقاطعة، لا يستطيع عقلنا القاصر أن يوفق بينها, ذلك أن اللغة المثالية حلم من الأحلام. تذكرنا ببستاني بذر في بقعة منظمة الأرجاء بذورا متماثلة كل التماثل وأخذ يولي كلا منها قدرا متماثلا من عنايته أملا منه في أن تنبت حديقته أشجارا متساوية الحجم تجري على نظام واحد وتثمر عددا متساويا من الأزهار والأثمار, بل إن هناك كثيرا من الأسباب التي تجعل الظروف البيولوجية تحيد عن سمتها، ومن هذه الأسباب ما يعلو على قدرة الإنسان؛ وكذلك الحال في اللغويات التي يقف فيها القياس في غالب الأحوال موقفا مغايرا للمنطق، على الرغم من أنه ينبعث من الحاجة إلى التوحيد ويستخدم التعليل العقلي بطريقة ترضي العقل١.
الحاجة إلى التعبيرية كالحاجة إلى التوحيد من الحاجات التي لا تسد، ولكن العقل بسعيه إلى سدها يصلح من البلى الذي يلحق بالصيغ، وبالتالي يغير الصرف.
في أثناء التطور الصوتي للغة من اللغات، تتآكل بعض العناصر الصرفية حتى تصبح غير صالحة للاستعمال، بل قد تبتر في بعض الأحيان بترا تاما. وعندئذ يجب ترميمها أو إحلال غيرها محلها. فإذا كانت اللغة من اللغات المعربة كاللاتينية وكانت الإصابة فيها واقعة على نهايتها "انظر ص٨٨" وجب أن يتناول الترميم الإعراب بأسره. فالبقايا الصرفية التي يبقي عليها فعل القوانين الصوتية يندر أن
١ راجع عن اللغات الصناعية كوتورا وليو GOUTURAT ET LEAU, رقم ٦٠ ورقم ١٠ سنة ١٩٠٨، ص٧١٦، سنة ١٩١١، ص٥٠٩، وسنة ١٩١٢، ص١. انظر أيضا مجلة الجمعية الفلسفية الفرنسية، سنة ١٩١٢، ص٤٧-٨٤. وانظر مناقشات BOUDOUIN DE COURTENAY للاعتراضات التي أثارها ترجمان ولسكين BRUGMANN ET LESKIEN. في ZUR KRITIK DER KUNSTLICHEN WEITSPRACHEN. ستراسبرج "١٩٠٧" ومجدها في رقم ٣٤. مجلد ٤, ص٣٨٥، وقارن رقم ٢٢، ص٣٦٥.