للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأمر الصعب؛ فهناك الكشف سواء كان عن طريق تلك العلامات التي توضع، أو الكشف الذي يبين ذلك أكثر لكن مع ذلك أيضًا في بعض الأمور كالسمع ربما يحتال الإنسان، ولذلك كان العلماء يتخذون طُرقًا لمعرفة مدى الضرر حتى في الشم لم يعرض له المؤلف، ولقد ذكر العلماء فيما لو ادَّعى إنسان أن آخر اعتدى عليه فأصاب أنفه فأذهب شمه كيف يعالج؛ فقالوا: يؤخذ على غرَّة فيوضع قريب منه، وهو في غفلة رائحة طيبة ورائحة منتنة فإن ارتاحت نفسه للرائحة الطيبة عُرف أنه يشمّ، وأنه غير صادق، وإن اضطرب واقشعر من الرائحة الكريهة والممتنة عُرف أنه متأثر وأنه كاذب، وقالوا: فإن لم يتأثر يُقبل قوله مع يمينه (١).

وقد دقق العلماء رحمهم الله في مسائل كثيرة، واكتفى المؤلف هنا بالمسائل الكبرى فلم يتطرق إلى الجزئيات، وإلا فالعلماء يدققون في مسائل كثيرة.

وهذا الأثر المروي عن عليِّ - رضي الله عنه - ذكره البيهقي في " السنن الكبرى " (٢)، وذكره أيضًا مفصلًا ابن المنذر في كتابه " الأوسط " (٣)، وذكره


(١) مذهب الشافعية، يُنظر: " مغني المحتاج " للشربيني (٥/ ٣٢٢) قال: " لو أنكر الجاني زواله امتحن المجني عليه في غفلانه بالروائح الحادة، فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه، وإلا حلف هو لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه، ولو وضع المجني عليه يده على أنفه فقال له الجاني: فعلت ذلك لعود شمك، فقال: بل فعلته اتفاقًا أو لغرض آخر كامتخاط ورعاف وتفكر صدق بيمينه لاحتمال ذلك، فإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان كما في السمع؛ لأن الشم ليس في الأنف ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: " كشاف القناع " (٦/ ٣٩) قال: " وإن ادعى المجني عليه ذهاب شمه اختبر بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر من المنتن فالقول قول الجاني مع يمينه عملًا بالظاهر، وإلا بأن لم يهش للطيب ولم يتنكر من المنتن فالقول قول مجني عليه مع يمينه؛ لأن الظاهر معه وإن ادعى المجني عليه نقص شمه بسبب الجناية فقوله مع يمينه؛ لأنه لا يعلم إلا منه ".
(٢) أخرجه البيهقي في " الكبرى " (٨/ ١٥٢) من طريق ابن أبي شيبة.
(٣) انظر: " الأوسط " لابن المنذر (٣/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>