للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ قَدْرٌ لَبَيَّنَهُ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَان عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ).

وهذه قاعدة أصولية: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (١)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ عن الله كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].

والناس أحوج ما يكونون إلى معرفة الأحكام، وهذا حكمٌ مجمل فلو كان الأمر يقتضي البيان والتوضيح لبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أكثر الناس على أمته شفقة ورحمة بهم ومع ذلك قال: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، ولو كان الأمر يخص الرجل كما ذكر البعض لبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لم يُبيِّن فدلَّ ذلك على أن الحكم عام يشمل هذا الرجل وغيره.

قوله: (وَهَذَا الاسْتِدْلَالُ بَيِّن كَمَا تَرَى مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْدِيدِ لَيْسَ تَسْلَمُ مُقَدِّمَاتُهُ).

القياس الذي اعتمده الحنفية والمالكية لا تسلم مقدماته؛ لأنه قياس شبه (٢) وهو ضعيف (٣)، والقياس المعتد به والمعتبر هو: قياس العلة (٤) وهو: إلحاق فرعٍ بأصلٍ في حكم لعلة تجمع بينهما.

قوله: (وَذَلِكَ أَنَّهُ انْبَنَى عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الصَّدَاقَ عِبَادةٌ).

يريد المؤلف: أن يطعن في هذا القياس ويبيِّن أنه انبنى على مقدمتين


(١) يُنظر: "العدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلى (٣/ ٧٢٤)؛ حيث قال: "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن وقت الحاجة وقت الأداء، فإذا لم يكن مبينًا تعذر الأداء، فلم يكن بدٌّ من البيان".
(٢) يُنظر: "روضة الناظر" لابن قدامة (ص ٣١٢)؛ حيث قال: "هو أن يتردد الفرع بين أصلين حاظر ومبيح مثلًا ويكون شبهه بأحدهما أكثر، نحو أن يشبه المبيح في ثلاثة أوصاف ويشبه الحاظر في أربعة فلنلحقه بأشبههما به".
(٣) قال القرافي في "شرح تنقيح الفصول" (ص ٢٠٥): "ولا شك أن هذا قياس ضعيف بالنسبة إلى قياس المعنى".
(٤) يُنظر: "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ٣٣)؛ حيث قال: "وهو أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علق الحكم عليها في الشرع ويسمى قياس المعنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>