للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا كافٍ؟ لم يرد نصٌّ في ذلك في كتاب الله عزَّ وجلَّ ولا في سنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الذي جاء في المصدرين هو تعليم هذا الجارح كيف يصيد، أنْ نعلِّمه على الصيد، العلماء اختلفوا في ذلك:

١ - فبعضهم قال: أن يعوَّد على ذلك فيعطى فرصةً ثلاث مرات، وبعضهم قال: مرتين (١)، وبعضهم قال: مرة، فالذين قالوا ثلاثَ مراتٍ أخذوا ذلك من عموم أدلةٍ وردت في الشَّريعة، فإنَّ المسافرَ يمسحُ ثلاثةَ أيامٍ، والمهاجرُ يقيم ثلاثة أيامٍ، وهناك أدلةٌ كثيرةٌ اعتبرت فيها الأشياء الثلاثة: "لا يحلٍ لامرأةٍ أن تسافرَ مسيرة ثلاثة أيامٍ" (٢)، وبعضهم قال: مرةً واحدةً تعدُّ كافية (٣)، وبعضهم قال: هذا أمرٌ راجعٌ إلى العرف وإلى عاداتٍ النَّاس، فيكفي فيه ولو مرة واحدة (٤)، لكنَّ الأحوط في ذلك - والله أعلم - أن يأخذ الإنسان بالأحوط.

٢ - أن يجرح الصيد: أنك إذا أرسلت الجارح أن يجرح الصيد،


(١) بُنظر: "بدائع الصنائع " للكاساني (٥/ ٥٣)، حيث قال: "وعلى الرواية الأخرى جعل أصل التكرار دلالة التعلم؛ لأن الشبع لا يتفق في كل مرة فدل تكرار الترك على التعليم".
(٢) وهو مذهب الحنابلة، يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٣٦٩)، حيث قال: "ويعتبر في تعليمه ثلاثة شروط؛ إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل. ويتكرر هذا منه مرة بعد أخرى حتى يصير معلمًا في حكم العرف، وأقل ذلك ثلاث".
(٣) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٣٦٩)، حيث قال: "وقال الشريف أبو جعفر، وأبو الخطاب: يحصل ذلك بمرَّة، ولا يعتبر التكرار؛ لأنه تعلم صنعة، فلا يعتبر فيه التكرار، كسائر الصنائع".
(٤) وهو مذهب الشافعية وظاهر الرواية عن أبي حنيفة.
يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٨/ ١٢١)، حيث قال: " (ويشترط تكرر هذه الأمور بحيث يظن تأدب الجارحة) ومرجعه أهل الخبرة بالجوارح".
يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٥/ ٥٣)، حيث قال: "ظاهر الرواية عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - لا توقيت في تعليمه أنه إذا أخذ صيدًا ولم يأكل منه هل يصير معلَّمًا أم يحتاج فيه إلى التكرار؟ وكان يقول: إذا كان معلَّمًا فكل كذا … فأبو حنيفة - رضي الله عنه - على الرواية المشهورة عنه إنما رجع في ذلك إلى أهل الصناعة ولم يقدر فيه تقدير".

<<  <  ج: ص:  >  >>