للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-وفي رواية: عناقًا (١) -، كانوا يدلونه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتُهُم عليه".

يَقُولُ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: فَما أن رأيت إصرار أبي بكرٍ وموقفه حتى أدركت أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ فتح قلبه بذلك، وأن الحقَّ معه (٢)، هكذا اتبعوه.

ولذلك، نجد أنه ترتَّب على ذلك خيرٌ عظيمٌ؛ فإن المسلمين قاتلوا المرتدين وهزموهم هزيمة عظيمة، ولا شك أن تلك الردة كانت لها آثارٌ على الإسلام، فكم قتل منهم، والتي ترتَّب عليها إشارة عمر على أبي بكر بجمع القرآن لأول مرة، وإن كان القرآن جمع في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكنه كان متفرقًا على مثل الصحف، وعسف النخل، وجريد النخل، ونحوه؛ لكنه بعد ذلك جُمِعَ كاملًا في زمن أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنه- (٣).

إذًا، قوله: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] عامة، فلم تفرق بين كبير وصغير، ولا بين شاب وشيخ، ولا بين راهب وغير راهب، ولا بين عاملٍ وغير عاملٍ؛ وإنما أطلقت: "أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناس حتى


(١) "العناق": الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٣/ ٣١١).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٠٠).
(٣) أخرجه البخاري (٧١٩١)، عَنْ زيد بن ثابت، قال: بعث إليَّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: "إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وَأنِّي أخشى أن يستحرَّ القتل بقُرَّاء القرآن في المواطن كلها، فيذهب قرآنٌ كثيرٌ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"، قلت: "كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ "، فقال عمر: هو واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح له صدر عمر، وَرَأيتُ في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: "وإنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتتبع القرآن، فاجمعه"، قال زيد: فواللَّه، لو كلفني نقل جبلٍ من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما كلفني من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال أبو بكر: "هو واللَّه خير"، فلم يزل يحث مراجعتي حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح اللَّه له صدر أبي بكر وعمر. . . ". الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>