للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى اللَّه بقلوب صادقة، ونخلع عنَّا كل الأسباب التي وتُبَاعد بيننا وبين اللَّه، وأن نزيل كل واسطةٍ تقف في طريقنا مما يوصلنا إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأن نسأل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في هذا الموقف الجليل ما نحن بأَمَسِّ الحاجة إليه، فيجب أن نحرص كل الحرص على ألا نضيع ساعةً أو دقائقَ أو لحظاتٍ فيما لا ينفع، فَلَا يَنْبغي أن نشغل أنفسنا بالقيل والقال، ولا بالأَحَاديث التي نضيع بها أوقاتنا، ونُمْضيها، فليس الوقتُ في هذا المقام وقتَ تسليةٍ، ينبغي أن نتفرغ لذلك كما فعل رسولنا -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعد أن فرغ من صلاته، ركب على ناقته، وذهب إلى الصخرات قرب القبلة، ودعا اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (١)، فلنكثر من الدعاء، ولنطرح بين يدي اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولنسلم أنفسنا له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فإنَّ مقاليد الملك بيده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولنتوجه بقلوبنا إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولنفوض أمورنا كلها إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ونحن نعلم علم اليقين أنه لا ملجأ لنا، ولا مناص، ولا مفرَّ من اللَّه إلا إليه.

هذه مواسمُ عظيمةٌ، ومواقفُ كريمةٌ، ربما لا تتكرر في حياة المسلم، ولا يكفي في هذا المقام أن تسيلَ دموعنا، وأن تتألم قلوبنا، وربما قد تذوب أفئدتنا شوقًا إلى الآخرة، وإلى ما يقربنا إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، بل ينبغي أن نأخذ من ذلك درسًا أننا عندما نُنقِّي أنفسنا ونطهرها في هذا المقام، ونعود إلى اللَّه، ونتوب إليه توبةً نصوحًا، ينبغي أن نعقد العزم ألا نرجع إلى ما كنا نفعله إن كنا قد ارتكبنا سيئةً في حق اللَّه، أو أخطاءً في حقِّ خَلْقه، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه المواقف قال: "إنَّ دمَاءَكم وأموَالكم وأعْرَاضكم حرائم علَيكم كحُرْمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكلم هذا، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، اللهم هل بلغت" (٢).

كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يرفع سبَّابته إلى السماء، فيرد عليه أصحابه -رضي اللَّه عنهم-: نعم، اللَّهمَّ فاشهد، اللَّهمَّ فاشهد، نعم نشهد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أتمَّ اللَّه


(١) أخرجه مسلم (١٢١٨).
(٢) أخرجه مسلم (١٢١٨)، وتقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>