للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اخْتَلَفُوا فِيهِ (١)، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِالصَّوْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الِاعْتِكَافُ جَائِزٌ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ (٢)، وَابْنُ عَبَّاسٍ (٣) عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَبِقَولِ الشَّافِعِيِّ قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ (٤). وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّ اعْتِكَافَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّمَا وَقَعَ فِي رَمَضَانَ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الصَّوْمَ الْمُقْتَرِنَ بِاعْتِكَافِهِ هُوَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ نَفْسِهِ قَائِلًا: لَا بُدَّ مِنَ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ إِنَّمَا اتَّفَقَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَقْصُودًا لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الِاعْتِكَافِ قَالَ: لَيْسَ الصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ. وَلِذَلِكَ أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ: وَهُوَ اقْتِرَانُهُ مَعَ الصَّوْمِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً وَاللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ


= مذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الصغير" للدردير (١/ ٧٢٥)، حيث قال: " (الاعتكاف نافلة) من نوافل الخير، (مرغَّب فيه) شرعًا. (وهو) في الأصل: مطلق اللزوم لشيء، وشرعًا: (لزوم مسلم مميِّز). . . (بنية): الباء للملابسة أو بمعنى مع، متعلقة بـ (لزوم) إذ هو عبادة، وكل عبادة تفتقر لنية".
مذهب الشافعية، يُنظر: "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"، للشربيني (١/ ٢٤٦)، حيث قال: "وَشرعًا اللّبث فِي الْمَسْجِد من شخص مَخْصُوص بنية".
مذهب الحنابلة: "الروض المربع شرح زاد المستقنع" (ص: ٢٤٣)، حيث قال: " (ولا يصح) الاعتكاف (إلا) بنية؛ لحديث: "إنما الأعمال بالنيات".
(١) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع"، لابن القطان (١/ ٢٤٣)، حيث قال: "ولا يجوز الاعتكاف إلا في صوم، وبه قال سائر الفقهاء إلا الشافعي فإنه قال: ليس من شرط الاعتكاف الصوم".
(٢) أخرج عبد الرزاق (٨٠٣٣): عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما-، قَالَا: "لَا جِوَارَ إِلَّا بصِيَامٍ".
(٣) أَخرج عبد الرزاق (٨٠٣٦): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَنِ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ".
(٤) أخرج ابن أبي شيبة (٩٦٢١): قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنهما-: "لَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ إِلَّا أَنْ يَفْرِضَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>