للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ: فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" (١).

ففرَّق هنا بين الإسلام والإيمان. لكننا عندما نتتبع نصوص القرآن، والسنة نجد أن الإسلام ينوب عن الإيمان، وأن الإيمان ينوب عن الإسلام إذا افترقا.

ولا شك أن أعلى المراتب هو الإحسان؛ لأنه قال له في تعريفه: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ: فَإِنَّهُ يَرَاكَ". أما الإيمان فيأتي في المرتبة الثانية، ويأتي الإسلام في المرتبة الأولى. فكذلك هنا مع الفقير، والمسكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا (٢). والخلاف هنا بينهما قد لا تكون له ثمرة كبيرة. وإنما قد تظهر الثمرة أكثر في


(١) أخرجه مسلم (٨).
(٢) يُنظر: "غذاء الألباب"، للسفاريني (٢/ ٥٢٤) "واعلم أن الفقير يطلق على المسكين، والمسكين يطلق على الفقير، فهما كالإسلام والإيمان؛ إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وليسا سواء باتفاق". وانظر: "المجموع"، للنووي (٦/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>