للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبين للإنسان أن الحق مع غيره رجع، ولذلك كان الإمام الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- يقول: ما ناظرتُ أحدًا وتمنيت أن أنتصر عليه، إذا كان الحق معه، وإنما كنت أتمنى أن يُظهر اللَّه الحق على يدي أو يديه (١).

فالشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما كان ينتصر لنفسه، ولا يريد أن يُقال بأنَّ الشافعي غلب خصمه أو مخالفه أو معارضه، وإنما كان يريد من النقاش ومن الحوار هو أن يصلا معًا إلى الحق؛ فإنْ كان الحق مع مخالفه أخذ به، وإن كان معه فيجب على المخالف أن يرجع إليه؛ هذا هو الشأن.

ولذلك لما تقرأ سيرة أولئك العلماء الأعلام تجد أنَّ كل واحدٍ منهم يُزكّي الآخر؛ فالإمام أحمد يصف الشافعي بأنه بمثابة الشمس للإنسان وكالصحة للبدن (٢).

والشافعي يصف الإمام أحمد بأنَّه ما ترك في بغداد أعلم منه (٣)، هذا هو شأن العلماء، ويأخذ بيد إسحاق بن راهويه، ويقول: تعالَ اسمع إلى هذا -إلى هذا المذهب-، وهو كان يُلقي دروسه في مكة، فالعلماء قصدهم الوصول إلى الحق.

وهكذا لا ينبغي للمسلم مهما كان أنْ يأخذه التعصب، أو لأنه درس المذهب الفلاني أن يقف عنده ويقول: فلان أعلم مني، لا؛ لأن هذه لو قلنا بها لقلنا: التابعون أعلم والصحابة أعلم، لكن مرجعُنا في ذلك هو:


(١) يُنظر: "صحيح ابن حبان" (٥/ ٤٩٩)، و"حلية الأولياء" (٩/ ١١٨).
(٢) يُنظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٠/ ٤٥) حيث قال: "قال محمد بن هارون الزنجاني: حدثنا عبد اللَّه بن أحمد، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف، أو منهما عوض".
(٣) يُنظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (١/ ٦٤) حيث قال: "وكان إمام المحدثين، صنف كتابه المسند، وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وقيل: إنه كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الإمام الشافعي -رضي اللَّه تعالى عنهما- وخواصه، ولم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، وقال في حقه: خرجت من بغداد وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل".

<<  <  ج: ص:  >  >>