للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب الثاني: قالوا: إنَّ غالبَ الأحاديثِ وأكثرَها إنَّما ورد في المسح في السفر.

ونجيب على ذلك: فنقول: نعم، غالب الأحاديث إنَّما ورد في المسح على السفر، لشدة الحاجة إلى المسح في السفر، لكنَّ ورودَ أحاديث أقل في الحضر، لا يمنع من كون المسح جائزًا في الحضر، وقد وردت أحاديثُ صحيحةٌ منها: حديث حذيفة الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه قال: (كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانتهى إلى سباطة قوم فبال فتوضأ فمسح على خفيه).

وهذا نصّ صحيح صريح، وهو حديث في صحيح مسلم (١) وفي غيره (٢)، لكنَّنا أحيانًا نقتصر على الصحيحين؛ لأنَّ ذكرَهما كافٍ في هذا المقام فأحاديثُهما صحيحة.

إذًا وردتْ أحاديثُ عِدَّةٌ في المسح على الخفين في الحضر ومنها: حديث حذيفة الذي يحكي فيه هذا الصحابيُّ الجليلُ أنَّه كان ملازمًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فانتهى إلى سُبَاطة قومٍ) يعني: مالَ إلى سُباطة القوم، والسُّباطة: هو المكان الذي يجمع فيه التراب، وغالبًا يكون مما يجمع من المنازل (٣)، (فبال الرسول عليه الصلاة والسلام فتوضأ ومسح على خفيه).

إذًا هذا نصٌّ في أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- مسح على الخُفَّين، بل ورد في روايةٍ في غير صحيح مسلمٍ أنَّ ذلك كان بالمدينة (٤).

إذًا هذا دليلٌ قطعيٌّ، وهناك أدلَّة كثيرةٌ صريحةٌ، في أنَّ الرسولَ


(١) أخرجه مسلم (٢٧٣/ ٧٣) عن حذيفة، قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فانتهى إلى سباطة قوم، فبال قائما" فتنحيت فقال: "ادنه" فدنوت حتى قمت عند عقبيه "فتوضأ فمسح على خفيه".
(٢) أخرجه أبو داود (٢٣) والنسائي (١٨).
(٣) السباطة والكناسة: الموضع الذي يرمى فيه التراب والأوساخ وما يكنس من المنازل. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٣٣٥).
(٤) أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير" (١٧/ ١٧٩)، والبيهقي في "الكبير" (١/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>