للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول اللَّه -سبحانه وتعالى-: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، فاسعوا إلى ذكر اللَّه، قالوا: إن المراد بذكر اللَّه هنا: إنَّما هي الخطبة (١)، وهناك أدلة عدة تدل على الخطبة، وسنعرض لها -إن شاء اللَّه- تفصيلًا فيما يتعلَّق بذلك.

وهذه الجمعة لها مواصفات وشروط: منها ما هو واجب، ومنها ما ليس بواجب، وأعني به: ما هو سنة، لكن ينبغي في مثل ذلك أن يَلتزم الخطيب بما كان يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنَّه كان إذا خرج على الناس -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى (٢)،


= أحفظها أو لا أحفظها- وصَلُّوا كما رأيتموني أُصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم"".
(١) انظر في مذهب الأحناف: "العناية شرح الهداية"، للبابرتي (٢/ ٥٠)، وفيه قال: "فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، أمر بالسعي إلى ذكر اللَّه، وهي الخطبة التي هي شرط جواز الجمعة، والأمر للوجوب، وإذا كان السعي واجبًا إليها فإلى ما هو المقصود -وهو الجمعة- أَوْلَى".
وانظر في مذهب المالكية: "شرح التلقين"، للمازري (١/ ٩٧٩)، وفيه قال: "ودليلنا على وجوبها: أن اللَّه سبحانه أمر بفعل الجمعة وبَيَّن -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا الأمر بفعله، فكان يخطب، ولم يترك الخطبة في حال من الأحوال. فدلَّ على وجوبها. وأيضًا قد قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. وأول الذكر في الجمعة: الخطبة. فيجب حملُ هذا الظاهر عليه، ولا يعدل به إلى الذكر المفعول في الصلاة إلا بدليل".
وانظر في مذهب الشافعية: "كفاية النبيه"، لابن الرفعة (٤/ ٣٢٤)، وفيه قال: "أن من شرطها: الخطبتان، ودليله: قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، فأمر بالسعي إلى ذكر اللَّه، وذلك يتضمن الخطبة والصلاة؛ فاقتضى أن يكون الأمر بهما واجبًا".
وانظر في مذهب الحنابلة: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ٣١٥)، وفيه قال: " (الرابع: تقَدُّم خُطبتين)، أي: خطبتان متقدمتان؛ لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الآية. والذكر: هو الخطبة، والأمر بالسعي إليه دليل وجوبه، ولمواظبته -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك، قال ابن عمر: "كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب خطبتين وهو قائم يَفصل بينهما بجلوس".
(٢) لم أقف عليه. وقد أشار النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلى أن المستحب أن يصعد الخطيب المنبر ولا يصلي؛ لأنه لم يَرد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فِعل ذلك.
قال النووي: "قال المتولي: يستحب للخطيب أن لا يحضر للجمعة إلا بعد دخول الوقت بحيث يَشرع فيها أول وصوله المنبر؛ لأن هذا هو المنقول عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإذا وصل المنبر صعده، ولا يُصلي تحية المسجد، وتسقط هنا =

<<  <  ج: ص:  >  >>