(جِهَةُ قُدْرَتِهِ) أَيْ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا (وَيَتَحَرَّى الْمُصَلِّي) التَّحَرِّي بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ (لِلِاشْتِبَاهِ) أَيْ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ بِانْطِمَاسِ الْأَعْلَامِ أَوْ تَرَاكُمِ الظَّلَامِ أَوْ تَطَامِّ الْغَمَامِ (وَعَدَمِ الْمُخْبِرِ بِهَا) فَإِنَّ الْأَصْحَابَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّقْرِيرُ دَلِيلُ الْجَوَازِ (وَلَمْ يُعِدْ) الصَّلَاةَ (إنْ أَخْطَأَ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَلَا وُسْعَ فِي إصَابَةِ الْجِهَةِ حَقِيقَةً فَصَارَتْ جِهَةُ التَّحَرِّي هُنَا كَجِهَةِ الْكَعْبَةِ لِلْغَائِبِ عَنْهَا، وَقَدْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] أَيْ قِبْلَةُ اللَّهِ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَ الِاشْتِبَاهِ (وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ) فِيهَا (بِلَا تَحَرٍّ) ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ جِهَةُ تَحَرِّيهِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (إصَابَتَهُ) ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَاسِدٌ وَحَالُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ أَقْوَى مِنْ حَالِهِ قَبْلَهُ (وَلَوْ عَلِمَ) إصَابَتَهُ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ حُصُولُهُ بَلْ حُصُولُ الْغَيْرِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (وَلَوْ عَلِمَ خَطَأَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (أَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ) بَعْدَ الشُّرُوعِ بِالتَّحَرِّي (اسْتَدَارَ) فِي الْأَوَّلِ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَفِي الثَّانِي إلَى جِهَةِ تَحَوُّلِ رَأْيِهِ إلَيْهَا (تَحَرَّى كُلٌّ) مِنْ الْمُصَلِّينَ (جِهَةً) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ وَتَحَرَّى الْقَوْمُ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُقْتَدِي (مُخَالَفَةَ إمَامِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ فِي الْوَاقِعِ (جَازَ) فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُمْ جِهَاتُ تَحَرِّيهِمْ وَلَمْ تَضُرَّهُ الْمُخَالَفَةُ كَجَوْفِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا اهـ. أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ لَوْ نَزَلَ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ شَيْخًا وَلَا يَجِدُ الْمُعِينَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَطَامِّ الْغَمَامِ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ عَلَى ظَنِّهِ بِالْمُعْجَمَةِ هَذَا لَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ وَإِلَّا فَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَا الظَّاءِ الْمُشَالَةِ اهـ. لِمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَكُلُّ شَيْءٍ كَثُرَ حَتَّى عَلَا وَغَلَبَ فَقَدْ طَمَّ يَطِمُّ، وَقَالَ أَيْضًا وَتَضَامَّ الْقَوْمُ إذَا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ اهـ. فَيَصِحُّ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْمُخْبِرِ بِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا مِثْلَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْأَلْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى فَإِنْ أَصَابَ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَأَلَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَيْ التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ وَفِي قَوْلِهِ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهِ مُقِيمِينَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَاضِرِينَ فِيهِ وَقْتَ دُخُولِهِ وَهُمْ حَوْلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَجَبَ طَلَبُهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ قَبْلَ التَّحَرِّي اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بِالتَّحَرِّي فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَعَ أَبْوَابَ النَّاسِ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا تُعْرَفُ الْقِبْلَةُ بِمَسِّ الْجُدْرَانِ وَالْحِيطَانِ وَعَسَى يَكُونُ ثَمَّةَ مُؤْذِيَةٌ فَجَازَ لَهُ التَّحَرِّي اهـ.
قُلْت فَيُحْمَلُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ عَلَى مَنْ دَخَلَ نَهَارًا لِدَفْعِ التَّعَارُضِ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ إنْ أَخْطَأَ) هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى ظَنِّ الطَّهَارَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ حَيْثُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ طَهَارَتُهُ أَوْ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لَا يُجْزِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِي عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْبَزَّازِيَّةِ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِهِ جَازَ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْقِبْلَةِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَقَدْ وُجِدَ وَالْوَاجِبُ التَّوَجُّهُ إلَى مَا هُوَ قِبْلَةٌ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ) فِيهِ تَسَامُحٌ نَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا إصَابَتَهُ) وَاصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَ إصَابَتَهُ بَعْدَهَا صَحَّتْ) أَقُولُ فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ ثُمَّ بِالصِّحَّةِ هُنَا وَالصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَّصِفُ بِنَقِيضَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَالْأَصْلُ هُوَ الْفَسَادُ فَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَوْ بِالتَّحَرِّي تَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَإِنْ ظَهَرَ صَوَابُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ وَبَنَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ فَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ تَيَقَّنَا بِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ صَوَابٌ فَفِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يُحْكَمْ بِالْجَوَازِ بِالشَّكِّ بَلْ بِالْفَسَادِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ فَإِذَا تَبَيَّنَ الصَّوَابُ بَطَلَ الْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَثَبَتَ الْجَوَازُ مِنْ الْأَصْلِ اهـ. أَوْ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ صَلَّى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ اهـ. وَإِصْلَاحُ الْعِبَارَةِ بِإِسْقَاطِ لَفْظَةِ إنْ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ عَلِمَ فَيُقَالُ وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ وَعَلِمَ فِيهَا إصَابَتَهُ. . . إلَخْ.
(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقْتَدِي مُخَالَفَةَ إمَامِهِ) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْمُقْتَدِيَ جَهْلُهُ بِجِهَةِ إمَامِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَنْزِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ قَيْدِ كَوْنِهَا فِي الْمَفَازَةِ كَغَيْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً صَلَّوْا فِي الْمَفَازَةِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَحْرِيَّ لَا يَجُوزُ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ مِنْ