للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَعْبَةِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِمَامِهِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ (فَلَا) يَجُوزُ فِعْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ اعْتَقَدَ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ بِخِلَافِ جَوْفِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قِبْلَةٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ بِقَوْلِهِ وَهُمْ خَلْفَهُ بَيَانُ كَوْنِهِمْ خَلْفَهُ فِي الْوَاقِعِ لَا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ خَلْفَهُ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى التَّسَاهُلِ كَمَا حَمَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ نَعَمْ فِي قَوْلِهِ لَا لِمَنْ عَلِمَ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِحَالِهِ لَا يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ مُخَالَفَتَهُ لِلْإِمَامِ وَلِهَذَا غَيَّرْتُ الْعِبَارَةَ إلَى مَا تَرَى.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ (النِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَهِيَ الْإِرَادَةُ) وَهِيَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (لَا الْعِلْمُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ فِي صَلَاتِهِ إذَا عَلِمَ أَيَّةَ صَلَاةٍ يُصَلِّي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هَذَا الْقَدْرُ نِيَّةٌ، وَكَذَا فِي الصَّوْمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نِيَّةً؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الْعِلْمِ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَكْفُرُ، وَلَوْ نَوَاهُ يَكْفُرُ وَالْمُسَافِرُ إذَا عَلِمَ الْإِقَامَةَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَوْ نَوَاهَا يَصِيرُ مُقِيمًا.

وَفِي الْهِدَايَةِ النِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا نَزْعٌ إلَى تَفْسِيرِ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَجْزِمَ تَخْصِيصَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَيُمَيِّزَهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ نَفْلًا وَعَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا وَهِيَ الْفَرْضِيَّةُ إنْ كَانَتْ فَرْضًا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَالتَّمْيِيزَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يُتَصَوَّرُ أَقُولُ هَذَا الْجَوَابُ يُقَوِّي الِاعْتِرَاضَ وَلَا يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّ الْجَزْمَ عِلْمٌ خَاصٌّ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ عَمَلُ الْقَلْبِ اللَّازِمُ لِلْإِرَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بَدَاهَةً أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَوَابِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ لَمْ يَجُزْ صَلَاتُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ فَمَبْنَى كُلٍّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ (وَالتَّلَفُّظُ مُسْتَحَبٌّ) لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ لِاجْتِمَاعِ الْعَزِيمَةِ (وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا) أَيْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ (بِغَيْرِ لَائِقٍ لِلصَّلَاةِ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا. وَأَمَّا نَحْوُ الْوُضُوءِ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَضُرُّهُ (وَوَقْتُهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَارِنَ الشُّرُوعَ) بِأَنْ يَتَّصِلَ بِالتَّحْرِيمَةِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، (وَقِيلَ تَصِحُّ) النِّيَّةُ (مَا دَامَ) الْمُصَلِّي (فِي الثَّنَاءِ، وَقِيلَ) تَصِحُّ (قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَقِيلَ) تَصِحُّ (قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ) عَنْ الرُّكُوعِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا غَفَلَ عَنْ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

غَيْرِ سُؤَالٍ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ اهـ. وَذَكَرْته قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِمَامِهِ) أَيْ حَالَ اقْتِدَائِهِ فَسَدَتْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ذَكَرَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الْخُلَاصَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ إمْسَاسُ الْمِحْرَابِ كَمَا تَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ بَلْ حَالُهُ عِنْدَنَا كَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) ، كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ لَا الِافْتِرَاضَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَنْزِعُ أَيْضًا إلَى تَفْسِيرِ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَعْلَمَ بَدَاهَةً أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ لَيْسَ تَفْسِيرَ الْإِرَادَةِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَتَأَتَّى نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الظَّاهِرِ وَكَلَامُهَا ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ) يَعْنِي طَرِيقٌ حَسَنٌ أَحَبَّهُ الْمَشَايِخُ لَا إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ الْمَنْقُولُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ» فَهَذِهِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ قَصْدِ جَمْعِ الْعَزِيمَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُصَرِّحْ بِكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ صَلَاةَ، كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا نَحْوِ نَوَيْتُ أَوْ أَنْوِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ سُؤَالَ التَّوْفِيقِ وَالْقَبُولِ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّلَفُّظِ بِهَا يُذْكَرُ فِي الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ لِكَثْرَةِ مَشَاقِّهِ وَطُولِ زَمَانِهِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي نَفْيِ قِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَنْزِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ الصَّوْمُ بِالْحَجِّ فِي سُؤَالِ التَّيْسِيرِ كَالْقَبُولِ لِطُولِ زَمَانِهِ وَمَشَقَّتِهِ فَوْقَ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ) يَعْنِي إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا الْأَفْضَلُ. . . إلَخْ) يَعْنِي الْأَفْضَلَ مِمَّا شَمِلَهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّتِهَا بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ فَتَصِحُّ بِالْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ أَجْنَبِيٍّ وَبِالْمُقَارَنَةِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهُمَا الْمُقَارَنَةُ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَصِحُّ النِّيَّةُ مَا دَامَ فِي الثَّنَاءِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ كَمَا قِيلَ إنَّهَا تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ، وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ، وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>