(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)
(لَهَا فَرَائِضُ مِنْهَا التَّحْرِيمَةُ) التَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا وَالْهَاءُ لِتَحْقِيقِ الِاسْمِيَّةِ وَخُصَّتْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ (وَهِيَ التَّكْبِيرُ) أَيْ الْوَصْفُ بِالْكِبْرِيَاءِ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ (بِالْحَذْفِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهُ وَلَا فِي بَاءِ أَكْبَرُ (بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ) هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]
ِ) أَيْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قِيلَ الصِّفَةُ وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْوَصْفَ لُغَةً ذِكْرُ مَا فِي الْمَوْصُوفِ مِنْ الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ هِيَ مَا فِيهِ وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرُ وَصَفَهُ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهَوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْمُجْزِئِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الْجَوَاهِرِ وَلِهَذَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَالْفَسْخِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الشَّيْءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الْعَيْنُ وَهِيَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ وَالْعَيْنُ هُنَا الصَّلَاةُ وَالرُّكْنُ وَهُوَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ كَالْقِيَامِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ كَجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ وَثَوَابِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ الْآدَمِيُّ الْمُكَلَّفُ وَشَرْطُهُ كَالطَّهَارَةِ وَالسَّبَبُ كَالْوَقْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ لَهَا فَرَائِضُ) الْمُرَادُ مَا يَفُوتُ الْجَوْزُ بِفَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ مِنْهَا التَّحْرِيمَةُ) هِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رُكْنٌ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَالشَّرْطُ الْإِتْيَانُ بِهَا قَائِمًا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَحَنَى ظَهْرَهُ ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ قَائِمًا يُرِيدُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ.
(تَنْبِيهٌ) : مِنْ فَرَائِضِهَا النِّيَّةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا شَرْطٌ وَلَمْ تُذْكَرُ هُنَا لِمَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ التَّكْبِيرُ أَيْ الْوَصْفُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا شَرْطٌ عِنْدَنَا عَلَى الْقَادِرِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا اهـ.
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيُّ، وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إتْيَانِهِ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ كَاللَّهُ وَلَا بِأَكْبَرَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي التَّجْرِيدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِيرُ شَارِعًا بِكُلِّ اسْمٍ مُفْرَدًا أَوْ خَبَرًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَلَالَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ وَلَمْ يَزِدْ يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ قَالَ الْكَبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ أَكْبَرُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي الْفَتْحِ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ قُلْت فَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُسْنَدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرِ الِاسْمِ دُونَ الصِّفَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ اهـ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ الَّذِي تَقَدَّمَ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ كَانَ فِي قِيَامِهِ وَقَوْلَهُ أَكْبَرُ وَقَعَ فِي رُكُوعِهِ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ اهـ.
وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَإِلَّا فَيَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ مُصَلٍّ وَمُصَلٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَا يَأْتِي بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهِ وَلَا فِي أَكْبَرَ) أَقُولُ فَإِنْ أَتَى بِهِ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ يَكْفُرُ لِلشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِالْكُفْرِ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ اللَّهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا اهـ.
وَإِنْ أَتَى بِهِ فِي بَاءِ أَكْبَرَ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ اللَّهُ فَحَسَنٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ اهـ.
وَجَزْمُ الْهَاءِ مِنْ الِاسْمِ الْكَرِيمِ خَطَأٌ وَمَا بَحَثَهُ الْأَكْمَلُ مِنْ عَدِّ الْفَسَادِ وَالْكُفْرِ بِالْمَدِّ فَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ حَرْفَ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ وَلَا فِي أَكْبَرَ لِيُفِيدَ النَّهْيَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَتِهَا وَبَائِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
(قَوْلُهُ بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ هُوَ الْأَصَحُّ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَبُو يُوسُفَ يَرَى الرَّفْعَ مَعَ التَّكْبِيرِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَحَكَى عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَاضِي خَانْ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ وَقْتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ لَكِنْ يُضَعِّفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي اثِّنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ اهـ