قَامَ (فِي صَفِّ النِّسَاءِ قَدْرَ) أَدَاءِ (رُكْنٍ) أَيْ زَمَانًا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (فَسَدَتْ) صَلَاتُهُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ وُجِدَ فِيهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا) تَفْسُدُ (مَا لَمْ يُؤَدِّهِ) أَيْ الرُّكْنَ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ أَدَاءُ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَلَمْ يُوجَدْ، قَيَّدَ بِقَدْرِ الْأَدَاءِ إذْ لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الِانْكِشَافِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يَلْبَثْ جَازَتْ اتِّفَاقًا.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ (اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلْمَكِّيِّ) إجْمَاعًا حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتُهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْجُدْرَانُ وَقَعَ الِاسْتِقْبَالُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ.
(وَ) اسْتِقْبَالُ (جِهَتِهَا لِغَيْرِهِ) وَهُوَ الْآفَاقِيُّ فَإِنَّ الْمَوَانِعَ لَوْ أُزِيلَتْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَقَعَ الِاسْتِقْبَالُ عَلَى عَيْنِهَا بَلْ عَلَى جِهَتِهَا فِي الصَّحِيحِ إذْ لَيْسَ التَّكْلِيفُ إلَّا بِحَسَبِ الْوُسْعِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى الْآفَاقِيِّ أَيْضًا اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا قَالُوا فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا وَجِهَتُهَا أَنْ يَصِلَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي إلَى الْخَطِّ الْمَارِّ بِالْكَعْبَةِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ قَائِمَتَانِ أَوْ نَقُولُ هُوَ أَنْ تَقَعَ الْكَعْبَةُ فِيمَا بَيْنَ خَطَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ فِي الدِّمَاغِ فَيَخْرُجَانِ إلَى الْعَيْنَيْنِ كَسَاقَيْ مُثَلَّثٍ كَذَا قَالَ التَّحْرِيرِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْعَيْنِ انْحِرَافًا لَا يَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ جَازَ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْإِنْسَانِ مُقَوَّسٌ فَعِنْدَ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ يَكُونُ أَحَدُ جَوَانِبِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَعَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ قَالَ قِبْلَةُ الْبَشَرِ الْكَعْبَةُ وَقِبْلَةُ أَهْلِ السَّمَاءِ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَقِبْلَةُ الْكَرُوبِيِّينَ الْكُرْسِيُّ وَقِبْلَةُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ الْعَرْشُ وَمَطْلُوبُ الْكُلِّ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَقِبْلَةُ الْعَاجِزِ) عَنْ التَّوْجِيهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِجِهَتِهَا بِأَنْ خَافَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ مَرَضٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا أَوْ كَانَ عَلَى خَشَبٍ فِي الْبَحْرِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ مَا قَالَ مَوْلَانَا بَدِيعٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا نَصٌّ أَيْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ عَلَى أَمْرَيْنِ النَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالْأَتْسَاعِ بَلْ بِالْمِقْدَارِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَكْشُوفَ لَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ تُسْعُهَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ بِالْمِقْدَارِ وَفِيهِ نَفْيٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ كَلَامٌ مَدْخُولٌ فِيهِ بَيَانُهُ أَنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا هُوَ رُبْعُ الْمُنْكَشِفِ وَهَذَا خُلْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الِانْكِشَافُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَثَمَّةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ بِأَنْ انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِهِ مَثَلًا مَوَاضِعُ مُتَعَدِّدَةٌ. وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالِانْكِشَافُ حَصَلَ فِي أَعْضَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَوْرَةٌ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي اعْتِبَارِ أَدْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ بِهِ يُوجَدُ الْمَانِعُ فَيُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُنْكَشِفِ مِنْ جَمِيعِهَا فَإِنْ بَلَغَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِهَا حَكَمْنَا بِالْفَسَادِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ قَدْرِ رُبْعِ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمُنْكَشِفِ وَأَنَّهُ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَذَا لَازِمٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالْأَجْزَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ ثُمُنِ الْفَخِذِ وَنِصْفَ ثُمُنِ الْبَطْنِ وَنِصْفَ ثُمُنِ الْأُذُنِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ بِالْأَجْزَاءِ لَا يَبْلُغُ رُبْعًا وَمِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ يَبْلُغُ قَدْرَ رُبْعِ عُضْوٍ كَامِلٍ مِنْهَا وَهُوَ الْأُذُنُ فَيَلْزَمُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ قَدْرِ رُبْعِ عُضْوٍ تَامٍّ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْكَشِفِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَفِيهِ تَرْكُ الِاحْتِيَاطِ وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ كَيْفَ تَبِعَهُ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَنْصُوصِ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِي الِانْكِشَافِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ الْمُرَادُ بِهِ فِي الِاعْتِبَارِ الْجَمْعُ لَا فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ مَجْمُوعِهَا فَتَأَمَّلْهُ مُمْعِنًا فِيهِ النَّظَرَ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ اهـ.
(قَوْلُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلْمَكِّيِّ إجْمَاعًا) أَقُولُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُشَاهِدَ لِلْكَعْبَةِ وَغَيْرَهُ وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ. . . إلَخْ وَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي حَقِّ الْمُشَاهِدِ لِلْكَعْبَةِ أَمَّا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ فَلَا إجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ عَيْنِهَا فِي حَقِّهِ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِ حَقِيقَةِ الْمُسَامَتَةِ فِي كُلِّ بُقْعَةٍ يُصَلِّي فِيهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكَ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ) يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ وَالْقَائِلُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجُرْجَانِيِّ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ أَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ يُصَلِّي إلَى الْمِحْرَابِ لَا يُشْتَرَطُ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ يُشْتَرَطُ فَإِذَا نَوَى الْقِبْلَةَ أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ الْجِهَةَ جَازَ. اهـ.
(قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِجِهَتِهَا) يَعْنِي أَوْ بِعَيْنِهَا.
(قَوْلُهُ بِأَنْ خَافَ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَوْ قَالَ كَأَنْ خَافَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ فِي الْفَرْضِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ لَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ يَخَافُ النُّزُولَ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَصِّلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ أَوْقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا وَيَسْتَقْبِلَ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute