وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَوْ مَسَّ الْجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ، وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا
ــ
[مغني المحتاج]
وَحُسِبَ لَهُ الطَّوَافُ مِنْ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلَ عُضْوٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْوَجْهَ أَوَّلَ وُضُوئِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النِّيَّةَ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِهَا عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا خُرُوجُ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَارِجُ عَنْ عُرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ مُرْتَفِعًا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: وَالشَّاذَرْوَانُ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: أَيْ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا رَفْعَهُ لِتَهْوِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلِّهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا (أَوْ) أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ كَأَنْ (مَسَّ الْجِدَارَ) الْكَائِنَ (فِي مُوَازَاتِهِ) أَيْ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ هَوَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ (أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْمَحُوطِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ (وَخَرَجَ مِنْ) الْفَتْحَةِ (الْأُخْرَى) أَوْ خَلَّفَ مِنْهُ قَدْرَ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَاقْتَحَمَ الْجِدَارَ وَخَرَجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ (لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْحِجْرِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] [الْحَجَّ] وَإِنَّمَا يَكُونُ طَائِفًا بِهِ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ طَائِفٌ فِيهِ.
وَأَمَّا الْحِجْرُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا طَافَ خَارِجَهُ. وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ. قُلْت: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مِنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ لَفَعَلْت» وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الْحِجْرَ جَمِيعَهُ مِنْ الْبَيْتِ.
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الَّذِي هُوَ مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّ الْحَجَّ بَابُ اتِّبَاعٍ، وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ مُرُورِ بَعْضِ الْبَدَنِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَنَّ مُرُورَ بَعْضِ ثِيَابِهِ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ) بِصِحَّةِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ بَدَنِهِ خَارِجٌ فَيُصَدَّقُ أَنَّهُ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْفُورَانِيُّ (وَ) خَامِسُهَا (أَنْ يَطُوفَ) بِالْبَيْتِ (سَبْعًا) مِنْ الطَّوَفَاتِ وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي الْعَدَدِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute