وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمُبْتَدِئًا بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ لَمْ يُحْسَبْ، فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْأَوَّلَ بِأَنَّ الطَّوَافَ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا، فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَمْدِ وَأَوْلَى بِالْبِنَاءِ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ، وَكَذَا إنْ طَالَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ أَوْ مَطَافُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ كَأَنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ ظُفْرٍ مِنْ رِجْلِهَا لَمْ يَصِحَّ الْمَفْعُولُ بَعْدُ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ بَنَى عَلَى مَا مَضَى كَالْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوِلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلَوْ نَامَ فِي الطَّوَافِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَمْ يَنْقَطِعْ طَوَافُهُ (وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ يَجْعَلَ) الطَّائِفُ، (الْبَيْتَ) فِي طَوَافِهِ (عَنْ يَسَارِهِ) مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ إلَى جِهَةِ الْبَابِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .
فَإِنْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَمَشَى أَمَامَهُ أَوْ اسْتَقْبَلَهُ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا أَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَمَشَى الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمُنَابَذَتِهِ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَوْ طَافَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ كَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ صَحَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَافَ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ إلَى أَسْفَلَ وَرِجْلَاهُ إلَى فَوْقُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ مَا زِدْته لَكَانَ أَوْلَى لِيُخْرِجَ هَذِهِ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ قِسْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَلَا يَقْبَلُ تَجْوِيزَهُ الذِّهْنُ وَكَانَ السُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى، مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِقْبَالُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) رَابِعُهَا كَوْنُهُ (مُبْتَدِئًا) فِي ذَلِكَ (بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (مُحَاذِيًا) بِالْمُعْجَمَةِ (لَهُ) أَيْ الْحَجَرِ أَوْ بَعْضِهِ (فِي مُرُورِهِ) عَلَيْهِ ابْتِدَاءً (بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) بِأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ، وَالْمُرَادُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ جَمِيعُ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، وَاكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ كَمَا اكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي لِجِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ. ثُمَّ يَنْوِيَ الطَّوَافَ وَيَمُرَّ مُسْتَقْبِلًا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالطَّوْفَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ لَنَا حَالَةٌ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْبَيْتِ فِيهَا فِي الطَّوَافِ إلَّا هَذِهِ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ كَمَا مَرَّ وَهَذَا مَنْدُوبٌ، فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ ابْتَدَأَ. مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالٍ صَحَّ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْوَاجِبَةَ تَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ لَا بِالْحَجَرِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ نُحِّيَ عَنْ مَكَانِهِ وَجَبَتْ مُحَاذَاةُ الرُّكْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَيُسَنُّ حِينَئِذٍ اسْتِلَامُ مَحَلِّهِ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَوْ بَدَأَ) فِي طَوَافِهِ (بِغَيْرِ الْحَجَرِ) كَأَنْ ابْتَدَأَ بِالْبَابِ (لَمْ يُحْسَبْ) مَا طَافَهُ (فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ (ابْتَدَأَ مِنْهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute