فَصْلٌ الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا، وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ.
ــ
[مغني المحتاج]
أَجْنَبِيًّا جَازَ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، لِأَنَّ الْإِنْكَارَ حَرَامٌ لِلْكَذِبِ وَالْإِضْرَارِ، فَإِنْ أَرَادَ إزَالَةَ الضَّرَرِ جَازَ كَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبَيْنِ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَالْوَارِثِ يَجْهَلُ أَمْرَ التَّرِكَةِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الصُّلْحِ لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَجَرَى عَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ، لِأَنَّهُ مَعَ الْإِنْكَارِ أُلْجِئَ إلَى بَيْعِهِ مِنْهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْجِئَ غَيْرَهُ إلَى بَيْعِ مَالِهِ، وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ، فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ بِالْمُدَّعَى فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِبِنَائِهِ عَلَى فَاسِدٍ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَبَذْلُهُ لِذَلِكَ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ، وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ.
[فَصْلٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ]
ِ (الطَّرِيقُ النَّافِذُ) بِمُعْجَمَةٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا، وَالطَّرِيقُ يَكُونُ بِبُنْيَانٍ، وَصَحْرَاءَ، وَنَافِذًا، وَغَيْرَ نَافِذٍ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا يَضُرُّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الْمُرُورَ ضَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ (وَ) عَلَى هَذَا (لَا يُشْرَعُ) أَيْ يُخْرَجُ (فِيهِ جَنَاحٌ) أَيْ رَوْشَنٌ (وَلَا سَابَاطٌ) أَيْ: سَقِيفَةٌ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا (يَضُرُّهُمْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ لِمَا تَقَدَّمَ (بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ) الْمَاشِي (مُنْتَصِبًا) مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِظْلَامِ الْخَفِيفِ، وَلَوْ أَحْوَجَ الْإِشْرَاعَ إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى كَتِفِ الرَّاكِبِ، بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ فَوْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute