رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ٢٤} [يوسف: ٢٤]، على قراءة مَنْ قرأها بكسر اللام، ومن قرأها بالفتح فإنه من إخلاص الله إياه، وهو متضمن لإخلاصه هو بنفسه، فلما أخلص عمله لله أخلصه الله وخَلَّصه من السوء والفحشاء.
١٥ - أنه ينبغي للعبد إذا رأى محلًّا فيه فتنة وأسباب معصية أن يَفر منه ويهرب غاية ما يمكنه؛ ليتمكن من التخلص من المعصية؛ لأن يوسف -عليه السلام- لما راودته التي هو في بيتها فَرَّ هاربًا يطلب الباب؛ ليتخلص من شرها.
١٦ - أن القرائن يُعمل بها عند الاشتباه، فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء من أواني الدار، فما يصلح للرجل فإنه للرجل، وما يصلح للمرأة فهو لها، هذا إذا لم يكن بينة، وكذا لو تنازع نجار وحداد في آلة حرفتهما من غير بينة، والعمل بالقافة في الأشباه والأثر من هذا الباب؛ فإن شاهد يوسف شهد بالقرينة، وحكم بها في قَدِّ القميص، واستدل بقدِّه من دُبره على صدق يوسف وكذبها، ومما يدل على هذه القاعدة أنه استدل بوجود الصُّواع في رحل أخيه على الحكم عليه بالسرقة من غير بينة شهادة ولا إقرار، فعلى هذا إذا وجد المسروق في يد السارق -خصوصًا إذا كان معروفًا بالسرقة- فإنه يحكم عليه بالسرقة، وهذا أبلغ من الشهادة، وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر -أو وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد- حاملًا، فإنه يقام بذلك الحد، ما لم يقم مانع منه، ولهذا سمى الله هذا الحكم شاهدًا؛ فقال:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}[يوسف: ٢٦].