طاعته ولا يخالفونه ينشعب أمرهم، فلا خير مع الخلاف، ولا شر مع الائتلاف. قال ابن مسعود: الخلاف شر. ذكر ابن عبد البر: ولا يجوز لأحد أن يتعلف -وهو تحصيل العلف للدواب- ولا يتحطب، ولا يبارز، ولا يخرج من العسكر، ولا يحدث حدثًا إلا بإذن الأمير؛ لأنه أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم وقوتهم، فإذا خرج إنسان أو بارز بغير إذنه، لم يأمن أن يصادف كمينًا للعدو فيأخذوه، أو يرحل بالمسلمين، ويتركه فيهلك أو يكون ضعيفًا لا يقوى على المبارزة، فيظفر به العدو فتكسر قلوب المسلمين، بخلاف ما إذا أذن؛ فإنه لا يكون إلا مع انتفائه المفاسد، ويؤيد ذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِنَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}.
ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مخوف؛ لأنه تغرير بهم؛ وأما الانغماس في الكفار، فيجوز بلا إذن لأنه يطلب الشهادة، ولا يترقب منه الظفر، وإلا بالمقاومة بخلاف المبارزة، فتتعلق به قلوب الجيش، ويرتقبون ظفره، فلو طلب البراز كافر، سن لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير، لمبارزة الصحابة - رضي الله عنهم -.
عن علي - رضي الله عنه - قال: تقدم عتبة بن ربيعة، ومعه ابنه وأخوه، فنادى: من يبارز؟ فانتدب شاب من الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه. فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنا أردنا بني عمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث» فأقبل حمزة إلى عتبه، وأقبلت إلى شيبة، واختلفت ابن عبيدة والوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منا صاحبه، ثم ملنا إلى الوليد، فقتلناه واحتملنا عبيدة، رواه أحمد وأبو داود.
وعن قيس بن عبادة، عن علي قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة، قال قيس: فيهم نزلت هيه الآية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا