الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته، وانتظار الفرَج من ربه -عز وجل- صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدِّين".
وقد أصبح من كمال إيمان المؤمن: الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتّحلّي بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشِّيم، ومحامد الفضائل، التي اشتهر بها -صلى الله عليه وسلم-. وإذا كان هذا لازماً للمسلمين جميعاً، فإنه للداعي أكثر لزوماً وأشدّ وجوباً. فينبغي أن يكون في سلوكه وتصرّفاته مثلاً أعلى لمَن يَدْعوهم، ونموذجاً يَقتدي به ويحتذي حذْوه الآخَرون. فحيثما يدعو إلى فضيلة من الفضائل، يكون عنوانها والرائد فيها. وإذا ما دعا إلى عمل من أعمال الخير والبِرّ، يكون له قصب السّبْق في هذا المضمار ولو بالقليل. ولو نهى عن منكر يكون أوّل البعيدين عنه.
وإن من معوقات الدّعوة، ومن أسباب فشل بعض الدعاة: أنّ أفعالهم تُخالف أقوالهم، وأنّ سلوكهم يتنافى مع ما يَدْعون إليه. فيدعو أحدُهم إلى الكَرَم، وهو لا يجود ببعض ماله -وإن قلّ- في سبيل الله. ويتحدّث عن الشجاعة، وهو يرتعد خائفاً مذعوراً من كلمة حقّ أمام سلطان جائر.
ولقد عاتب الله جماعة من المؤمنين، لأنّ أفعالهم تتناقض مع أقوالهم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}(الصف:٢، ٣).
كما فضح الله سلوك بني إسرائيل ومَنْ على شاكِلتهم ممّن يأمُرون الناس بالبِرّ ولا يفعلونه، وينهوْن عن الفحشاء والمنكر ويرتكبونها، قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(البقرة:٤٤).
فإنّ من أعظم القبائح والذنوب: أن يعْرف العالِم والدّاعية الخير ويدعو إليه، وهو أبعد الناس عنه، وينهى عن المنكر ويفْعله.