ولقد شبّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن يَعِظ غيره ولا يَتّعظ بمن يكون كالسراج: يُضئ للناس ويُحرق نفْسَه.
فعن جُندب بن عبد الله -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَل العالِم الذي يُعلِّم الناسَ الخيْر ولا يعمل به، كمَثَل السِّراج يُضئ للناس ويُحرِق نفْسَه))، رواه الطبراني.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مررتُ ليلة أُسْرِي بي على قوم تُقرَض شِفاهُهم وألسنتُهم بمقاريض من نارٍ، قلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خُطباء أمّتك الذين يأمرون الناس بالبِرّ وينْسَوْن أنْفسَهم))، رواه ابن حبان.
وعن أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((يُؤتَى بالرّجُل يوم القيامة، فيُلقَى في النار، فتندلِق أقتاب بطنه -أي: تخرج أمعاؤه-، فيدور بها كما يدور الحمار في الرّحَى. فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: يا فلان مالَك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهَى عن المنكر؟ فيقول: بلَى، قد كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتية))، متفق عليه.
وممّا تجدر ملاحظته: أنّ الداعية قد يأمر ويحثّ على فعل خير وليس في استطاعته القيام به؛ فهذا لا حرج عليه، كمَن يدعو إلى الجهاد في سبيل الله، وتمْنعه من المشاركة عاهة أو كِبَر سنّ، أو كمَن يحثّ الأغنياء بدفْع زكاة أموالهم، وهو لا يَملك نصاباً. أمّا الجرم الأكبر: أن يقترف المنكرات، وهو يعلم حرمتها.
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يعافي الأمِّيِّين يوم القيامة ما لا يُعافي العلماء))، ابن كثير.