فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- موضع ثقة قريش، ومحلّ احترامها. وكان له الفضل الكبير قبل البعثة في رأب الصدع، ومنْع الحرب التي كادت تنشب حينما اختلفوا على مَن ينال منهم شرَف وضْع الحجر الأسود مكانَه عند إعادة بناء الكعبة. وحينما أبصروه -صلى الله عليه وسلم- قالوا:"هذا هو الأمين! ارتضيناه حَكَماً".
إذا كان هذا خُلُق الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة التي تفرّد بها بين أقرانه، فإنّ الأمْر بعد البعثة وخلال مراحل الدّعوة في مكة المكرمة والمدينة المنورة اختلف اختلافاً كثيراً؛ فلقد أصبح -صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى الإنسانية جمعاء؛ قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}(الأعراف:١٥٨)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:١٠٧).
ومن ثَم، أصبح -صلى الله عليه وسلم- القُدوة الحسَنة والأسوة الطيبة، فكان بحقّ قرآناً يمشي على الأرض.
فقد سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خُلُقه -صلى الله عليه وسلم-، فقالت:((كان خُلُقه: القرآن)). وأخبر القرآن الكريم عن خُلقه -صلى الله عليه وسلم- بقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:٤).
ولقد وجد الصحابة -رضوان الله عليهم- في الرسول -صلى الله عليه وسلم- المَثَل الأعلى والنموذج العظيم في الخُلُق الكريم، والأدب الرفيع، والسلوك المهذّب العالي؛ فاقتدَوْا به، والتزموا بأقواله وأفعاله. قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب:٢١).
يقول ابن كثير:
"هذه الآية: أصل كبير في التّأسّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمَر الله -تبارك وتعالى- الناس بالتّأسي بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم