للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجلٍ، وهذا أولى، لأن التضمين في الأفعال أحسن منه في الحروف، لقوَّتها وضعف الحروف" (١)، فمَنشأُ هذه القاعدة هو قوة الأفعال وضعف الحروف.

وعبَّر رحمه الله عن هذه القاعدة في أكثر من موضع بأن التجوُّز في الأفعال أولى من التجوُّز في الحروف، وذكر أن هذا هو مذهب البصريين (٢).

وهو بهذا لا يمنع التضمين في الحرف، بل أثبت ذلك وجوَّزه في بعض المواضع، خصوصًا إذا دلَّت قراءةٌ أخرى على ذلك (٣)، لكن إذا كانت الجملة لا بد فيها من التجوُّز والتضمين، ودار الأمر بين تضمين الفعل وتضمين الحرف، فإنه يُرجِّح تضمين الفعل.

ولم يذكر السمين الحلبي هذه القاعدة هنا في القول الوجيز، لكنه عمل بمقتضاها، ففي أحد المسائل وافق ترجيحه هذه القاعدة مخالفًا بذلك جمهور المفسرين (٤).

القاعدة الخامسة: "توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها" (٥).

عمل السمين الحلبي بهذه القاعدة وأشار إلى معناها في أكثر من موضعٍ في الدر المصون، ففي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: ٤١] قال: "قوله: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} في هذه الضمائر أقوال، أحدها: أنها كلها عائدة على (كل) أي: كلٌّ قد علم هو صلاة نفسه وتسبيحها. وهذا أولى لتوافق الضمائر" (٦).

وفي قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٥٢] قال: "الضمائر الثلاثة؛ أعني التي في قوله


(١) الدر المصون (٥/ ٣٥٧).
(٢) ينظر في الدر المصون (٢/ ٢٩)، (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، (١٠/ ٤٤٥).
(٣) ينظر في الدر المصون (٩/ ٢٦٩)، (٥/ ٣٧٦).
(٤) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٤١٢)، وسيأتي بيانه.
(٥) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٦١٣ – ٦٢٠).
(٦) الدر المصون (٨/ ٤١٨ – ٤١٩).

<<  <   >  >>