للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التأكيد، وهو ما نفاه السمين الحلبي وأثبت معنًى زائدًا يدل على التباين بين دلالة الألفاظ في الآيتين.

ومن أمثلة هذه القاعدة أيضًا ما ذكره عند قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩]، فإنه فرَّق بين الفظاظة والغلظة ثم قال: "ومن هذا يخرج جوابٌ عن سؤال، وهو: ما الحكمة في الجمع بين الفظاظة والغِلظة وهما بمعنى؟ فيُجاب بما قدَّمناه من المغايرة، وهو أحسن مِنْ قولِ مَنْ قال إنه جُمع بينهما تأكيدًا" (١).

وكما سبق، فإنه لا ينفي التأكيد مطلقًا ولا ينفي الترادف مطلقًا، بل إذا كان الموطن مما يظهر به جمال التأكيد وبلاغته فإنه يثبته ويقول بالترادف أو التقارب، كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} [آل عمران: ١٩٣]، حيث ذَكَر مَنْ فرَّق بين الدعوتين، ثم عقَّب بأن فيه نظرًا، وأن السياق يدل على أن ذلك من باب التأكيد والإلحاح في الدعاء، وقال في إثبات ذلك: "ألا ترى أن الغفران والتكفير متقاربان أو مترادفان، وكذلك الذنوب والسيئات" (٢).

ومن هذه القاعدة وسابقتها يتبيَّن أن السمين الحلبي رحمه الله غالبًا ما يستبعد التأكيد في المواضع التي لا يظهر فيها جمال التأكيد وبلاغته.

القاعدة الثالثة: إذا أمكن بقاء الشيء على موضوعه فهو أولى.

صرَّح السمين الحلبي بهذه القاعدة في الدر المصون عند قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} [يونس: ٣٠] فقال: "في {هُنَالِكَ} وجهان؛ الظاهرُ بقاؤه على أصله من دلالته على ظرف المكان … وقيل: هو هنا ظرف زمان على سبيل الاستعارة … وإذا أمكن بقاء الشيء على موضوعه فهو أولى" (٣).

ومحل هذه القاعدة إذا استقام المعنى ولم تكن حاجةٌ إلى صرف الشيء عن بابه وموضوعه


(١) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١١٣).
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٤١٠ - ٤١٢).
(٣) الدر المصون (٦/ ١٩٢ – ١٩٣)، وينظر كذلك: (٢/ ٤٥٥ - ٤٥٦)، (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، (٧/ ٢٨٤).

<<  <   >  >>