للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ، مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، تَكْلِيفًا غَيْرَ صَحِيحٍ.

قَوْلُهُمْ: قَوْلُهُ: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصَّافَّاتِ: ١٠٥] ، مَعْنَاهُ: قَدْ فَعَلْتَ مَا أُمِرْتَ بِهِ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ، بَلْ مَعْنَاهُ: «قَدْ عَزَمْتَ عَلَى فِعْلِ مَا أُمِرْتَ بِهِ صَادِقًا ; فَكَانَ جَزَاؤُكَ أَنْ خَفَّفْنَا عَنْكَ كُلْفَتَهُ بِنَسْخِهِ» عَنْكَ. هَذَا هُوَ كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ.

قَوْلُهُمْ: قَوْلُ الذَّبِيحِ: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، لَفْظٌ مُسْتَقْبَلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا أُمِرَ بِذَبْحِهِ، بَلْ سَيُؤْمَرُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا تُؤْمَرُ} : افْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَضْعًا لِلْمُضَارِعِ مَوْضِعَ الْمَاضِي وَهُوَ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ.

قُلْنَا: يَلْزَمُكُمْ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ أُمِرَ بِذَبْحِهِ، وَعَلَى قَوْلِكُمْ، يَكُونُ تَقْدِيرُهُ: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي سَأُومَرُ بِذَبْحِكَ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارٍ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ نَحْنُ ; مِنْ وَضْعِ الْمُضَارِعِ مَوْضِعَ الْمَاضِي أَسْهَلُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ، أَيْ: «مَا تُؤْمَرُ بِهِ فِي الْحَالِ، اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْأَمْرِ الْمَاضِي» .

وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ بِفِعْلٍ ; فَالْأَمْرُ بِهِ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ، اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْأَمْرِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ ; فَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لَمَّا أُمِرَ فِي اللَّيْلِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ ; فَأَخْبَرَ وَلَدَهُ بِذَلِكَ ; فَهُوَ حَالُ إِخْبَارِهِ وَلَدَهُ مَأْمُورٌ بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي اللَّيْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>