للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، وَلَوِ اجْتَهَدَ لَنُقِلَ وَاسْتَفَاضَ، وَلَمَا انْتَظَرَ الْوَحْيَ، وَلَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ يُتَّهَمُ.

قُلْنَا: الْحُكْمُ عَنْ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ عَنِ الْهَوَى، لِاعْتِمَادِهِ عَلَى إِذْنٍ وَدَلِيلٍ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُقُوعِ النَّقْلُ، فَضْلًا عَنِ الِاسْتِفَاضَةِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مُشْتَهِرٌ، وَانْتِظَارُ الْوَحْيِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَاسْتِبْهَامِ وَجْهِ الْحَقِّ وَالتُّهْمَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، إِذْ قَدِ اتُّهِمَ فِي النَّسْخِ وَلَمْ يُبْطِلْهُ، وَلَا يَتْرُكُ حَقًّا لِبَاطِلٍ، ثُمَّ الِاجْتِهَادُ مَنْصِبُ كَمَالٍ لِشَحْذِهِ الْقَرِيحَةَ، وَحُصُولِ ثَوَابِهِ، فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى النَّاسِ بِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «قَالُوا» : يَعْنِي الْمَانِعِينَ احْتَجُّوا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ بِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ حُكْمٌ بِالْهَوَى، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النَّجْمِ: ٣] ، {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: ٢٦] ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى عَمَلًا بِالْوَحْيِ الصَّادِقِ، وَالْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ حُكْمٌ بِالْهَوَى، فَهُوَ لَا يَنْطِقُ بِهِ، فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: «لَوِ اجْتَهَدَ، لَنُقِلَ وَاسْتَفَاضَ» ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مُسْتَفِيضًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ، وَالْقَضَايَا الَّتِي ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلَةٌ، ثُمَّ هِيَ آحَادٌ لَا تُفِيدُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْأَحْكَامِ «لَمَا انْتَظَرَ الْوَحْيَ» فِي بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>