. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: وَمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ، وَالْأَحْكَامِ لَا يَلْزَمُهُ هَذَا، وَلَا قِصَّةُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَفِدَاءِ الْأُسَارَى، وَالْإِذْنِ لِلْمُخَلَّفِينَ، لِأَنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْحُرُوبِ.
وَيَرِدُ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ جَمِيعِهَا جَوَازُ اقْتِرَانِ الْوَحْيِ بِهَا، أَوْ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ: إِذَا كَانَ كَذَا فَافْعَلْ كَذَا، وَتَخْصِيصُ قَضِيَّةِ الْحَجِّ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِهِ: لَوْ قُلْتُ: لِعَامِنَا، لَمَا قُلْتُ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ، وَلَوَجَبَ - لَا مَحَالَةَ - تَكْرَارُهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَكَمَا فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ بِاجْتِهَادِهِمَا، أَمَّا دَاوُدُ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ، لَمَا جَازَ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُخَالِفَهُ، وَلَا لِدَاوُدَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ، لَمَا خُصَّ بِالتَّفْهِيمِ بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٩] عَلَى طَرِيقِ الْمَدْحِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ دَاوُدَ حَكَمَ بِالْوَحْيِ، فَلِذَلِكَ خَالَفَهُ، وَأَنَّ تَفْهِيمَ سُلَيْمَانَ كَانَ بِالنَّصِّ كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النِّسَاءِ: ١١٣] وَهُوَ بِالْوَحْيِ.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ دَاوُدَ لَوْ حَكَمَ بِالْوَحْيِ، لَمَا رَجَعَ إِلَى قَوْلِ سُلَيْمَانَ، وَلَرَجَعَ سُلَيْمَانُ عَنْ رَأْيِهِ لَمَّا عَلِمَ بِالْوَحْيِ، وَسُلَيْمَانُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ وَهُوَ صَبِيٌّ بَعْدُ. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَبُّدِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاجْتِهَادِهِ، لِأَنَّ هَذَيْنِ نَبِيَّانِ قَدْ حَكَمَا بِاجْتِهَادِهِمَا. وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمَا وَبِغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، لِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الْأَنْعَامِ: ٩٠] . وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ مُطْلَقٌ لَا عُمُومَ لَهُ، فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute