البحران وَلَا لِأَن الطبيعة تنقي بِهِ لَكِن لِأَن فِي الْبدن من ذَلِك الْجِنْس كَثْرَة كَثِيرَة لَا يقوى على ضَبطهَا أَو لِأَنَّهَا سريعة اللذع.
لي: يفرق بَين هَذِه وَبَين الباحورية بِأَن هَذِه عديمة النضج تَجِيء فِي كل الْأَوْقَات وَلَا أَمَارَات بحران وَلَا غير ذَلِك وَلَا فِي يَوْمه.
الْأَمْرَاض الصيفية يحلهَا الشتَاء فِي الْأَكْثَر والشتوية يحلهَا الصَّيف مَتى كَانَت دَلَائِل السَّلامَة مَوْجُودَة مَعَ الْحمى الحادة.
ورجوت أَن يَأْتِي بحران ثمَّ رَأَيْت الْبَوْل قد احْتبسَ فَاعْلَم أَنه سيحدث نافض يتلوه بحران لَا محَالة.
فان كَانَ الْمَرِيض مَعَ ذَلِك قد قلق فِي اللَّيْلَة الْمُتَقَدّمَة صعبت عَلَيْهِ علته وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْمًا باحوريا قدرت أَن تتقدم فتنذر بذلك النافض إِذا احْتبسَ الْبَوْل فان دلّ النبض مَعَ ذَلِك على فان انْطلق الْبَطن انطلاقا كثيرا فَلَا يجب أَن تثق حِينَئِذٍ باحتباس الْبَوْل فِي الدّلَالَة على النافض فان كَانَ الْبَطن معتقلا مَعَ احتباس الْبَوْل ثمَّ علت من أَمر الْمَرَض أَن البحران قريب فانه يُصِيب ذَلِك الْمَرِيض ضَرُورَة نافض ثمَّ يتلوه عرق فان كَانَ قبل ذَلِك جهد شَدِيد وقلق كَانَت ثقتك بالنافض والعرق أَكثر.
وَذَلِكَ كَائِن فِي أَكثر الْأَمر وَإِن قل ذَلِك يَوْمًا وخف من الْمَرَض فانه لَا يظْهر فِي النبض دَلِيل دَال)
على النافض لَكِن يظْهر فِيهِ النبض الَّذِي يدل على الِاخْتِلَاف. وَقد وَصفنَا ذَلِك كُله فِي كتاب النبض.
وَإِن كَانَت الْحمى محرقة حادة وخاصة إِن كَانَت عَن التَّعَب فان حَرَكَة المرار فِي هَذَا أَشد مِنْهَا فِي غَيرهَا ولتكن بذلك أوثق وَذَلِكَ أَن البحارين المحرقات تكون بالنافض كثيرا.
والحميات الَّتِي يكون فِي ابتدائها نافض لَا يكون بحرانها بخراج وَذَلِكَ أَنه يتبعهَا فِي كل نوبَة عرق فَيخرج بِهِ الْفضل فَلَا تحْتَاج الطبيعة إِلَى دفع الْفضل بالخراجات لِأَن الخراجات إِنَّمَا تكون إِذا كَانَ الْفضل كثيرا.
الْأَمْرَاض الَّتِي يكون بحرانها بخراج هن الْأَمْرَاض السليمة العديمة النضج لِأَن الْأَمْرَاض السليمة إِذا كَانَ مَعهَا نضج كَانَ انْقِضَائِهَا باستفراغ فَمَتَى لم يكن الْمَرَض خبيثاً ثمَّ أدمن وَطَالَ بِهِ الْأَمر فتوقع الْخراج كَمَا قَالَ أبقراط فِي تقدمة الْمعرفَة: إِنَّه من بَال بولا رَقِيقا مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَت سَائِر الدَّلَائِل تنذر بِأَنَّهُ يسلم فتوقع لَهُ خراجا فِي بعض الْمَوَاضِع الَّتِي دون الْحجاب فِي علل آلَات النَّفس.
وَهَذَا مِثَال: إِذا كَانَت بِإِنْسَان عِلّة فصلح مِنْهَا فَكَانَ العرقان اللَّذَان فِي صدغيه شديدي الانبساط غير مستقرين الْبَتَّةَ ولونه حَائِل وَنَفسه متزايد وسعال يَابِس فتوفع خراجا فِي مفاصله.