(الْمقَالة الْخَامِسَة)
(نزف الدَّم) (الْكَائِن عَن فسخ الْعُرُوق أَو فتحهَا فِي بَاطِن الْبدن) قَالَ: مَتى انْشَقَّ عرق أَو شريان فَلَا بُد أَن يتبع ذَلِك انبثاق دم عَظِيم شَدِيد فَإِن حدث فِي عرق عسر التحامه وَإِن عرض فِي شريان كَاد أَن لَا يلتحم.
قَالَ: الَّذِي يخرج عَن الْعُرُوق الشرايين إِمَّا لِأَن أطرافها تتفتح وَإِمَّا لِأَن صفاقها يخرق وَإِمَّا لِأَن الدَّم يرشح مِنْهَا وصفاق الْعُرُوق ينخرق من قطع أَو رض أَو فسخ أَو تَأْكُل. وأطرافه تتفتح إِمَّا بِسَبَب ضعف الْعُرُوق وَإِمَّا بِسَبَب دم كثير مَال إِلَيْهَا دفْعَة وَإِمَّا بِسَبَب كَيْفيَّة حادة تلقاها من خَارج. وَأما رشح الدَّم فَيكون عِنْد مَال يتَحَلَّل ويخفف صفاق الْعُرُوق ويرق ويلطف الدَّم وَقد يكون فِي بعض الْأَوْقَات بِسَبَب أَن عروقاً صغَارًا تنفتح أفواهها.
قَالَ: وَالَّتِي تقطع الْعُرُوق من خَارج كَانَ أَو من دَاخل فحاره من دَاخل يقلعها الآكلة وَالَّذِي يرضها ثقيل صلب والأشياء الَّتِي يفسخها ويهتكها يفعل بهَا على جِهَة التمدد والتمدد يعرض من الْأَعْمَال الشاقة الصعبة أَو من كَثْرَة الدَّم فِي تجويفها أَو لسُقُوط من مَوضِع مشرف أَو لوُقُوع شَيْء ثقيل عَلَيْهَا فَأَما الصَّيْحَة الشَّدِيدَة والوثبة والإحضار الشَّديد المسرع فَكلهَا تسْتَقْبل الْعُرُوق بالتمدد إِلَّا أَنه إِن كَانَ التفسخ والسل من قبل صَيْحَة أَو سقطة أَو رض فقد بَطل السَّبَب الْفَاعِل وَهَذِه وَإِن كَانَ إِنَّمَا حدث من قبل امتلاء فقد يجوز أَن تكون الْعُرُوق فِي ذَلِك الْوَقْت دَائِما تَنْفَسِخ بعد مَا دَامَ السَّبَب الْفَاعِل للْفَسْخ ثَابتا وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَن تبادر إِذا كَانَ السَّبَب ذَلِك إِلَى استفراغ الدَّم ألف د ليقل الامتلاء أَولا ثمَّ تَأْخُذ فِي علاج مَا يسيل بعد ذَلِك وَبعد علاجك لما يسيل يداوى الْخرق ليلتحم فَأَما مَتى لم يكن مَعَ الْفَسْخ والسل السَّبَب الْفَاعِل مَوْجُودا فَأول مَا يَنْبَغِي أَن تبتدئ بِقطع الدَّم ثمَّ مداواة القرحة بعد ذَلِك. جالينوس يُسَمِّي خرق الْعُرُوق هَهُنَا قرحَة.
قَالَ: وَقطع الدَّم يكون بِأَن يحتال للدم أَن ينْتَقل ويميل عَن ذَلِك الْموضع إِلَى أَعْضَاء أخر وَأَن تشد القروح الَّتِي لم يخرج مِنْهَا الدَّم وَذَلِكَ أَنه إِن دَامَ الدَّم حمية جذبته إِلَى ذَلِك الْموضع وَيبقى الْموضع الَّذِي يخرج مِنْهُ بِحَالهِ مَاتَ من أَصَابَهُ ذَلِك قبل أَن يَنْقَطِع انبثاق الدَّم. وَهَذِه الفوهة الَّتِي فِي الْعُرُوق الْبَاطِنَة أَيْضا يُمكن أَن تجمع وتشد بالأدوية القابضة فَأَما الدَّم فَإِنَّهُ يمال عَن)
الْموضع إِمَّا إِلَى جِهَة بعيدَة مُخَالفَة وَإِمَّا إِلَى مَوضِع قريب مَكَان ذَلِك. أَنه إِن كَانَ الدَّم يسيل من أَعلَى الْفَم فنقله إِلَى أقرب الْمَوَاضِع يكون بإزالته عَن ذَلِك الْموضع إِلَى المنخرين واجتذابه إِلَى نَاحيَة الْخلاف وَيكون تمييله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute