للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

يَمُوت فِي الانحطاط إِنَّمَا يَمُوت فِي سَبَب غير ذَلِك لَا من نفس ذَلِك الْمَرَض وَجَمِيع من يَمُوت فِي الانحطاط إِنَّمَا يَمُوت فِي الانحطاط إِنَّمَا يَمُوت من خطأ يعرض لَهُ فَهَكَذَا يظْهر دَائِما بالتجربة. وَأما بِالْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون الْمَوْت وَقد نَضِجَتْ الأخلاط المولدة للمرض وقهرتها الطبيعة إِن دبره الْأَطِبَّاء على مَا يجب وَلم يخطئوا أَو يُخطئ العليل على نَفسه وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَت الطبيعة قد احتملت أَشد أَوْقَات الْمَرَض وَقَامَت وجاهدت حَتَّى غلبت مَا كَانَ يؤذيها فَإِن النضج لَيْسَ بِشَيْء غير هَذَا فَلَيْسَ يُمكن بعد هَذَا أَن يُمكنهَا الْمَرَض وَإِذا كَانَت الطبيعة لَا يغلبها الْمَرَض فَلَيْسَ يُمكن بِوَجْه من الْوُجُوه أَن يعرض الْمَوْت إِذا كَانَ الْمَوْت لَيْسَ هُوَ شَيْء سوى غَلَبَة الْمَرَض على الطبيعة الْغَالِبَة التَّامَّة فَالْقِيَاس من جَمِيع الْوُجُوه يُوجب أَنه يَنْبَغِي أَن تكون أَكثر الْعِنَايَة فِي تعرف مُنْتَهى الْمَرَض مَعَ ذَلِك فَإِن تقدمة الْمعرفَة بِحَال العليل هَل يَمُوت أم لَا يُمكن أَن تعرف دون أَن يعرف أول مُنْتَهى الْمَرَض وَلَيْسَ يُمكن أَن يعرف أَي الْأَوْقَات هُوَ الْوَقْت الَّذِي يَقع فِيهِ غَلَبَة الْمَرَض للطبيعة غَلَبَة تَامَّة من لم يعلم المستأنف من أَوْقَات الْمَرَض وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَ الْمَرَض لَيْسَ بَينه وَبَين أَن يَأْتِيهِ البحران إِلَّا يَوْم وَاحِد فخليق أَن يسلم قبل أَن يغلب الْمَرَض طَبِيعَته فَإِن مَرضه لَا يَنْتَهِي قبل الْعشْرين مثلا فقد يُمكن أَن يجوز ذَلِك.

أنزل إِن مريضين فِي حَال وَاحِدَة فِي جَمِيع الْوُجُوه فَيسلم أَحدهمَا وَيهْلك الآخر لقرب وَقت مُنْتَهى الْمَرَض وَبعده وَلَيْسَ يعرف طَرِيق أَجود من هَذَا فِي تعرف مَا يؤول إِلَيْهِ حَال الْمَرِيض من الْمَوْت أَو الْحَيَاة أَعنِي أَن تزيد الْقُوَّة بِمِقْدَار زمَان الْمُنْتَهى ورداءة الْمَرَض وَلَا يُمكن لأحد أَن يعلم هَل يسلم الْمَرِيض أم يَمُوت إِلَّا بجودة الْمعرفَة بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كَمَا أَنه لَا يعلم أحد هَل يقوى الْحمال على أَن يبلغ بِحمْلِهِ مَوضِع كَيْت وَكَيْت دون أَن يعلم قوى الْحمال قدر الثّقل وَبعد الطَّرِيق وَالْقِيَاس والتجربة بِأَمْر يأمران جَمِيعًا أَلا تهتم بِشَيْء أَكثر من همك بتعرف الْمُنْتَهى وَذَلِكَ انه لَا يُمكن تَقْدِير الْغذَاء وَلَا معرفَة البحران وَلَا حَال الْمَوْت والنجاة إِلَّا بِهِ.)

وَقَالَ: أَلا أَنا إِذا عرفنَا مِقْدَار قُوَّة الْمَرَض وَقُوَّة الْمَرِيض وَوقت الْمُنْتَهى وعرفنا بذلك هَل يَمُوت الْمَرِيض أم لَا قَدرنَا أَن نقيس فنعلم وَقت البحران وَذَلِكَ أَنا إِذا رَأينَا الْمَرَض بَعيدا من الْخطر وَلَيْسَ فِيهِ حَده بوهن وَلَا قُوَّة شَدِيدَة وَلم يعرض خطأ يُوجب شدَّة الْبَحْث فَلَيْسَ يكون البحران حَتَّى يَنْتَهِي الْمَرَض الْمَرَض منتهاه وَهَذَا هُوَ حد البحران وَذَلِكَ أبدا يكون بعد النضج فَإِن اضطرت الطبيعة إِلَى أَن تَأتي بالبحران قبل أَن يَنْتَهِي منتهاه إِمَّا لقُوَّة الْمَرَض وَإِمَّا لفضل حِدة وَسُرْعَة فِي حَرَكَة الْمَرَض وَإِمَّا لشَيْء يهيج فَإِن البحران الَّذِي يكون عِنْد ذَلِك ينقص فِي الْجَوْدَة عَن البحران على حسب تقدمة لوقت مُنْتَهى الْمَرَض فَإِن كَانَت الْقُوَّة لَا تبقى إِلَى وَقت مُنْتَهى الْمَرَض فَوَاجِب أَن يَمُوت الْمَرِيض وَذَلِكَ الْمَرَض الْآن مَوته لَيْسَ يجب ضَرُورَة أَن يكون بِالْقربِ من مُنْتَهى الْمَرَض. وَذَلِكَ أَنه قد يُمكن أَن يَمُوت قبل الْمُنْتَهى بِكَثِير أَو يكون فِي أول الْمَرَض فَأَما البحران فَلَا يكون إِلَّا وَقت الْمُنْتَهى أَو قبله بِقَلِيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>