للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

لى: الْمَحْمُود مِنْهُ فَأَما الْمَوْت فَإِنَّهُ يكون فِي الِابْتِدَاء أَو التزيد والمنتهى.

قَالَ: لَا يبرأ أحد قطّ دفْعَة من الْمَرَض بِلَا بحران وَخلق كثير يموتون دفْعَة بِلَا بحران فِي ابْتِدَاء مَرضه إِذا كَانَ الْمَرَض خبيثاً ردياً قوي الْغَلَبَة للطبيعة فَإِن الطبيعة لِلْعِلَّةِ مقاومة.

قَالَ: وَأكْثر هَؤُلَاءِ يَمُوت فِي ابْتِدَاء نوبَة الْحمى لَا سِيمَا مَتى كَانَ سَبَب هَلَاكه كَثْرَة الْحمى وَإِنَّمَا يعرض هَذَا لمن قوته سَاقِطَة ضَعِيفَة وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا من اصح مَا يعلم بِهِ أَن كثيرا من المرضى يموتون فِي انحطاط النوائب الْجُزْئِيَّة من النوائب وَلما رأى ذَلِك قوم ظنُّوا أَنه قد يكون الْمَوْت فِي وَقت الانحطاط الْكُلِّي وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذكرنَا وَلم يُؤْخَذ بالتجربة قطّ وَأما فِي الانحطاط الجزئي فخلق كثير يموتون وَالْقِيَاس أَيْضا يدل على ذَلِك وَذَلِكَ انه لَيْسَ يعجب أَن تقوى الْقُوَّة الضعيفة فِي وَقت ابْتِدَاء النّوبَة وَفِي وَقت تزيدها لَان الْبدن فِي ذَلِك الْوَقْت يكون متماسكاً فَكَأَنَّهُ ينهضم فَإِذا جَاءَ وَقت الانحطاط صَار الْبدن على خلاف مَا كَانَ لَان البحران يَتَحَرَّك إِلَى أقطار الْبدن فيتحلل الْبدن ويسترخي وتنحل الْقُوَّة ويظن بهؤلاء أَن الغشي يَأْتِيهم لأَنهم يموتون بَغْتَة وَقوم مِنْهُم لَا يموتون بَغْتَة لَكِن قَلِيلا قَلِيلا ويبتدئ ذَلِك بهم لَا محَالة مُنْذُ وَقت مُنْتَهى النّوبَة إِلَّا أَن أَكثر النَّاس لَا يَشْعُرُونَ بذلك ويظنون بهم أَنهم انتقلوا نقلة سريعة جدا على أَكثر مَا كَانَ يتَوَقَّع بهم من وَقت الْمُنْتَهى إِلَى وَقت الانحطاط يَقُول يظنّ الْجُهَّال بهؤلاء انْتِهَاء حماهم قصير جدا وأسرع الانحطاط.)

قَالَ: إِلَّا أَن معرفَة ذَلِك من أبين الْأَشْيَاء بِقَبض الْعُرُوق: وَذَلِكَ أَن الْفرق بَين من صَار بِسَبَب الْمَوْت إِلَى حَال يحل لَك أَنَّهَا حَال انحطاط النّوبَة وَبَين من صَار إِلَى الانحطاط بِالْحَقِيقَةِ عَظِيم وَقد يغمها جَمِيعًا تحلل حرارة الْحمى بَغْتَة إِلَّا أَن السَّبَب فِي كل مِنْهُمَا ضد السَّبَب فِي الآخر وَأبْعد شَيْء مِنْهُ فَمَتَى كَانَ على الْحَقِيقَة انحطاط النّوبَة كَانَ النبض يزْدَاد دَائِما قُوَّة وَينْقص اختلافه وَيَسْتَوِي نظامه وَذَلِكَ أَن الطبيعة تكون تبْعَث جَمِيع حرارة الْحمى إِلَى خَارج وَمَتى كَانَ انحطاط هَلَاك كَانَ النبض يزْدَاد ضعفا واختلافاً كل الْحَالَات وَإِنَّمَا يعرض ذَلِك الانحطاط فِي تِلْكَ الْحَال لِأَن حرارة الْحمى تتحلل مَعَ سَائِر مَا يتَحَلَّل من الْبدن فَمن قبل ذَلِك يوهمك أَن الْمَرِيض أحسن حَالا مِمَّا كَانَ ثمَّ إِنَّه بعد قَلِيل عِنْد أدنى حَرَكَة تتحرك من قيام إِلَى الْخَلَاء أَو غَيره يَعْتَرِيه غشي ثمَّ يعرق عرقاً يَسِيرا لزجاً وَيَمُوت وَرُبمَا حدث لَهُ ذَلِك من غير حَرَكَة فَبِهَذَا الطَّرِيق يَمُوت المرضى بانحطاط النوائب وَأما فِي الِابْتِدَاء فَإِنَّهُ يَمُوت المرضى من ميل الأخلاط دفْعَة إِلَى بَاطِن الْبدن فَإِنَّهُ إِذا كَانَ ذَلِك عرض للطبيعة مِنْهَا شَيْء مثل مَا يعرض لمن يختنق.

وَقد يكون أَيْضا من الْمَوْت الَّذِي بِلَا بحران صنف ثَالِث يكون فِي انْتِهَاء نوبَة الْمَرَض وَيكون هَذَا فِي الْأَمْرَاض القاتلة إِذا غلبت صعوبة نوبَة الْحمى فَلذَلِك أَنَّهَا تعرض لصعوبة

<<  <  ج: ص:  >  >>