وَلَيْسَت الْحمى لهيبة وَلَا محرقة وَيظْهر فِيهِ مَعَ ذَلِك عَلَامَات تدل على انه لم يكن نضج أَقُول: إِن هَذَا لَا يخرج من مَرضه قبل الرَّابِع عشر وتقدر أَن تميز وَتعلم هَل يَأْتِي فِي الرَّابِع عشر أَو يتَأَخَّر بعده من أَوْقَات الْمَرَض كُله وَذَلِكَ أَن عَلَامَات ابْتِدَاء الْمَرَض إِن لبث زَمَانا طَوِيل مزمن وَأما عَلَامَات تزيد الْمَرَض فَإِن أَتَت فِي الرَّابِع أَو فِي السَّابِع فَيَنْبَغِي أَن تتَوَقَّع شَيْئا يحدث فِي الرَّابِع عشر وتميز ذَلِك الشَّيْء يكون فِي الْحَادِي عشر فَإِنَّهُ إِن اتّفقت هَذِه الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء وَهِي كَثِيرَة تزيد سرعَة حَرَكَة الْمَرَض وَقُوَّة الْحمى وعلامة بَيِّنَة للنضج فَإِن البحران يَأْتِي فِي الرَّابِع عشر لَا سِيمَا إِن كَانَ الْوَقْت الْحَاضِر من أَوْقَات السّنة وَالسّن والمزاج وَسَائِر الْأَشْيَاء المشاكلة لهَذَا مُعينَة على ذَلِك فَإِن ظَهرت عَلامَة النضج بَيِّنَة فِي الْحَادِي عشر وَحدهَا وَلم يتَبَيَّن للْمَرِيض زِيَادَة قُوَّة كَثِيرَة وَلَا سرعَة حَرَكَة فَلَا يكون بحرانه فِي الرَّابِع عشر لكنه إِن كَانَ الْوَقْت وَالسّن والمزاج وَسَائِر هَذِه الْأَشْيَاء مائلة إِلَى الْبرد فَلَا تطمع أَن ينقص الْمَرَض قبل الْعشْرين. فَإِن كَانَت العلامات مختلطة وَرَأَيْت عَلَامَات النضج زَائِدَة كَثِيرَة فِي الرَّابِع عشر أَيْضا فَيَنْبَغِي لَك أَن تستقصي وَالنَّظَر والتفقد فِي جَمِيع مَا يظْهر فِي الْيَوْم السَّابِع عشر فَإِن العلامات الَّتِي تظهر فِيهِ وَإِن كَانَت يسيرَة فَإِنَّهَا من أصح الدلالات وتدل على أَن البحران يكون فِي الْعشْرين فَهَذِهِ صنوف البحران الحميدة وَذَلِكَ أَن كل بحران يظْهر بعد النضج التَّام والعلامات الحميدة فَهُوَ من أفضل البحران لِأَن النضج كَاف فِي الدّلَالَة على سرعَة البحران ووثاقته وَلَا يُمكن بعد ظُهُور النضج الْمُحكم أَن يمدكون بحران غير حميد والنضج الْمُحكم إِنَّمَا يكون مُنْتَهى الْمَرَض وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تصرف أَكثر همتك إِلَى تعرف مُنْتَهى الْمَرَض لِأَن البحران الأحمد يكون فِيهِ وَهُوَ عيار جَمِيع أَصْنَاف البحران وَذَلِكَ أَن البحران الْأَقْرَب مِنْهُ أبدا هُوَ احْمَد من الْأَبْعَد فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن لَا يهتم الطَّبِيب بِشَيْء أَكثر مِنْهُ بمنتهى الْمَرَض.
فَأنْزل أَنَّك رَأَيْت مَرِيضا توقعت بحرانه فِي الرَّابِع عشر فابتدأ يكون فِي الْحَادِي عشر إِمَّا لعظم الْمَرَض وَشدَّة قوته وَإِمَّا لسرعة حركته وَإِمَّا لسَبَب هيجه من خَارج.
أَقُول: إِنَّه لَا يُمكن أَن يكون ذَلِك البحران تَاما وَلَا مَحْمُودًا وَيجب أَن يخَاف على الْمَرِيض مِنْهُ أَشد الْخَوْف ولاسيما إِن كَانَ الْمَرَض غير معرّى من الْخطر. فَأَما إِن كَانَ الْمَرَض سليما فَأَقل مَا لَا يُؤمن عَلَيْهِ مِنْهُ أَن يكون مَعَ البحران أَعْرَاض ردية ضَعِيفَة أَو لَا يكون تَاما وَإِن تعاود الْحمى بعد)
إقلاعها فَهَذَا مبلغ قُوَّة النضج وَإِذا كَانَ النضج من أعظم الْأَشْيَاء قُوَّة فمنتهى الْمَرَض أَيْضا يدل على مثل ذَلِك من عظم الْقُوَّة وَذَلِكَ أَن كل مرض يَأْتِي فِيهِ البحران فِي وَقت منتهاه فَغير مُمكن أَن يَأْتِي فِيهِ بحران فِي وَقت انحطاطه وكل مرض لَا يُجَاوز وَقت منتهاه أَو لم يَأْتِ فِيهِ بحران فَإِنَّمَا يكون انقضاؤه قَلِيلا قَلِيلا وَلَا يخَاف أَيْضا على الْمَرِيض موت من بعد مُنْتَهى مَرضه على حسب مبلغ مَا أرى وَقد يظنّ بِقوم أَنهم مَاتُوا فِي وَقت الانحطاط إِلَّا أَن هَذِه كالتجربة وَالْقِيَاس فِي الْمَوْت إِن امتحنته علمت من