للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلمته مشافهةً وأتيته رَكضًا، وعَدوًا (١)، ومَشيًا، وأخذتُ عنه سَماعًا، أي مَصبورًا، ومُفاجِئًا، ومُعاينًا، وكذلك البواقي".

قالَ المشرّحُ: إنما جُعلت هذه المَصَادِر أحوالًا لأنَّ المَنصوبَ بعدَ الجملةِ الفِعليَّةِ أَليقُ بالحالِ من المَفعولِ المُطلَقِ، بدليلِ أنَّ الحالَ تتعلقُ بالفِعلِ من حيثُ هو مركبٌ بالفاعلِ أو المفعولِ، أو بهما، بخلافِ المفعولِ المُطلقِ، فإنَّه يتعلقُ بالفعلِ من حيثُ هو مفردٌ، ومن حيثُ هو مركَّبٌ بأحدِ الشَّيئين، فيكونُ أليقَ بالحالِ. ونظيره هنا ما إذا كانَ معك قِطعةٌ من الخِلنْجِيْن (٣) فاستوهبها منك اثنان كلُّ واحد منهما يَدَّعي أنه محتاجٌ، إلَّا أنَّ أحدَهُما يقولُ إنَّ الطبيبَ أوصاني بشُربِ الخِلَنْجِين، والآخرَ يقولُ: إنَّ الطبيبَ أمَرني بشرب العَسَلِ، ولا شَكَّ أنّ إعطاءَه الأوّلِ أَولى، فالجُملةُ ها هنا بمنزلةِ الخِلَنْجِينَ. فإن سألتَ: فهذا يَنتَقِضُ بنحوِ ضَرَبتُ عَمرًا ضَربًا فإنَّ المَنصوبَ بعدَ الجملةِ الفِعلِيَّةِ، وانتصابُه مع ذلِكَ على المَفعول المُطلقِ لا على الحالِ، ثُم ما ذكرتَ من الدليلِ -إن دَلَّ على انتِصابِه على الحالِ- فها (٤) هنا ما يدلُّ على أنَّ انتصابَه على المفعولِ المُطلق إذا لو انتَصَبَ على المَفعولِ المُطلقِ فإنه لا يُقامَ المصدَرُ مقامَ الصِّفَةِ؟ أجبتُ: عن الأولِ بأنَّ قَضِيَّةَ ما ذكرتَ من الدّليلِ أن يكونَ المنصوبُ ثَمَّ حالًا، إلّا أنَّه تَعَذَّرَ جعلُه حالًا إذ الحالُ زيادةٌ في الفائدةِ، ولو جُعِلَ المنصوبُ ثَمَّ حالًا، لم يكن زيادةٌ في الفائدةِ من ادَّعى مثلَ ذلك ها هنا فعليه الدَّليلُ (٥). ثُمَّ الدَّليلُ على أنّه لم


(١) في (أ) فقط مشيًا وعدوًا.
(٢) هذا النص نقله الأندلسي في شرحه: ١/ ٢٥٠.
(٣) لم أعثر في المعرّب للجواليقي: ١٣٦، وفيه الخلنج، قال: وهو فارسي معرب، تكلمت به العرب … وفي وصف البيروني له في كتابه: الجماهير … ص ١٧٥ يدل على أنه خشب تنحت منه القصاع والمشارب.
(٤) في (ب) ها هنا.
(٥) في (أ) البيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>