للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ولا خارِجًا من فِيَّ زورُ كَلَامِ*

قالَ المشرّحُ: اعلم أنَّ هذه المسأَلَة - أعني قيامَ "خارجًا" ها هنا مقامَ "خروجًا"، كالمختلَفِ فيها، وذلك، لأنَّ شَيْخنَا قد ذكرَ في قول كُثَيِّر (١):

هَنِيئًا مَرِيئًا غَيرَ داءٍ مُخامرٍ … لِعَزَّةَ من أَعراضِنَا ما استَحَلَّتِ (٢)

انتصبَ "هنيئًا" انتصابَ المَصادِرِ، وهو صِفةٌ في أَصلِهِ، وتَقديرُه: هنيئًا لعزَّة ما استَحَلَّت من أعراضِنَا هَنِيئًا (٣)، ولو قَدَّرتَ ليكن هنيئًا ما استَحَلَّت، فكانَ ما استَحَلَّت" إسمَ كان، و"هنيئًا" خبرَه لكانَ وجهًا، ولكنَّ سيبويه يقولُ: إنَّ كانَ لا تُضمر في كلِّ موضعٍ نقصًا تُوفّيه هذه ألفاظه في "شَرحِ النَّصاِئِح الكِبار" (٤). حُجَّةُ سيبويه (٥): أنَّ قولَنا: لا يَخرُجُ خُروجًا من فيَّ زورُ كَلام، معنًى صالحٌ فَوَجَبَ أن يُحملَ عليه لفظُ الفرزدقِ. فإن سألتَ: كماَ هو معنى صالحٌ فكذلك قولنا: ولا يكونُ خارِجًا من فِيَّ زُورُ كَلَامِ معنى صالحٌ فَوَجَبَ أن يُحملَ عليه لَفظُه؟ أجبتُ: ما ذَكرناه أَبلغُ، فإنَّه مؤَكّدٌ بالمَصدرِ. فإن سألتَ: ما ذكرناه أقلُّ تَعبيرًا، فبقيَ خارجًا على ما هو عليه في أَصلِه؟ أَجبتُ: ما ذكرناه أَوفَقُ لأسالِيبِ كَلامِ العَربِ، فيكون الحَملُ عليه أَولى. وبيانُ أَنَّه أَوفقُ لأساليب كلام العَرَبَ، أنَّهُ يُقالُ لا أشتُمُ ولا أَضرِبُ، ولا أكونُ ضاربًا.

قالَ جارُ اللَّه: "وكذلك: قَتَلتُهُ صَبرًا، ولقيتُه فُجاءَة، وعيانًا، وكفاحًا،


(١) هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي. ترجمته في الشعر والشعراء: ١/ ٥٠٣ والأغاني: ٩/ ٣ والخزانة: ٢/ ٣٨١. وترجم له اللّبلي في وشي الحلل: ورقة: ٥/ ب ترجمة جيدة.
(٢) ديوان كثير: ١٠٠.
(٣) شرح الأندلسي: ١/ ٢٥٠.
(٤) النّص في شرح المقامات للزمخشري: ٥٤ مقامة: (المنذرة) وشرح المقامات هي المعروفة بالنصائح الكبار.
(٥) الكتاب: ١/ ١٧٣، وشرح أبي سعيد السّيرافي: ٢/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>