للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعلى من هذا أن مجيء هذا البيت في هذه القصيدة مخالفًا لجميع أبياتها يدل على قوة شاعرها وشرف صناعته١، وأن ما وجد من تتالي قوافيها على جرِّ مواضعها ليس شيئًا سعى فيه, ولا أكره طبعه عليه, وإنما هو مذهب قاده إليه علوّ طبقته٢، وجوهر فصاحته.

وعلى ذلك ما أنشدناه أبو بكر٣ محمد بن علي عن أبي إسحاق لعبيد٤ من قوله:

يا خليليّ أربعًا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الحلال٥

مثل سحق البرد عفّى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشمال٦

ولقد يفنى به جيرانك ال ... ممسكو منك بأسباب الوصال٧

ثم أودى ودّهم إذ أزمعوا ال ... بين والأيام حال بعد حال٨

فانصرف عنهم بعنس كالوأي ال ... جاب ذي العانة أو شاة الرمال٩


١ في ج: "صناعتها".
٢ كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "طبيعته".
٣ يبدو أنه مبرمان شارح الكتاب، أخذ عن أبي إسحق الزجاج، وأخذ عن السيرافي والفارسي، ولا بعد أن يأخذ عنه ابن جني. وانظر ترجمته في البغية ٧٤.
٤ سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش. وهو عبيد بن الأبرص.
٥ الحلال جمع الحلة -بكسر الحاء- وهي جماعة البيوت، أو مائة بيت.
٦ السحق: الليالي. يريد أن المنزل درس وصار كالبرد البالي، وعفى: محا. وتأويب الشمال: رجوعها وتردد هبوبها.
٧ "الممسكو" أصله الممسكون، فحذف النون لطول الاسم.
٨ "أودى ردهم": انقطع. وأصل ذلك في الهلاك. ورواية الديوان: "كدى ردهم" وهو بهذا المعنى، يقال: أكدى إذا انقطع. وأصل ذلك أن يقال:! ندى الحفر إذا حفر, فبلغ الكدي -وهي الصخور- فانقطع عن الحفر، وقوله: "إذا أزمعوا" في الديوان: "أن أومعوا".
٩ وردَّ هذا البيت في الديوان هكذا:
فاسل عنهم بأمون كالوأي ال ... جاب ذي العانة أو تيس الرمال
والعنس: النافه الصلبة، والأمون: الناقة الوثيقة الخلق التي لا يخاف عليها الإعياء، والوأي: الحمار الوحشي، والعانة: القطيع من حمر الوحش، وشاة الرمال يريد به هنا الثور الوحشي. والتيس هنا الذكر من الظباء.

<<  <  ج: ص:  >  >>