للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: إن ابن الصلاح أنكر وروده بهذا اللفظ وقال: إن الذي وقع في الروايات أنه لا يستطيع ذلك، ثم قال: إن هذه غفلة عما أخرجه البزار، وساق حديث البزار الذي فيه أن الأعرابي قال: هل لقيت ما لقيت إلا من الصيام، وفي رواية لأبي داود: "وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام" إلخ.

بل إن الحافظ ابن حجر لا يتحفظ أن يخطئ جماعة بأسرهم من المحدثين والفقهاء في حديث واحد.

ومن ذلك ما جاء فيما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه" ١، فقد أورد من هذا الاستثناء بحثًا طويلًا قال بعده نقلًا عن الرافعي: وحمل الشافعي الخبر على الكثير؛ لأنه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرًا، وهذا مصير منه إلى هذا الحديث ورد في بئر بضاعة وليس كذلك، ثم صدر الحديث -كما قدمنا- دون قوله: خلق الله ... هو في حديث بئر بضاعة، وأما الاستثناء الذي هو موضع الحجة منه فلم يثبت، قال ابن حجر: والرافعي كأنه تتبع الغزالي في هذه المقالة، فإنه قال في المستصفى: لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه" وكلامه متعقب لما ذكرناه، وقد تبعه ابن الحاجب في المختصر في الكلام على العام وهو خطأ، ثم قال ابن حجر: تنبيه -وقع لابن الرفعة أشد من هذا الوهم، فإنه عزا هذا الاستثناء إلى رواية أبي داود فقال: ورواية أبي داود: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه" ووهم في ذلك، فليس هذا في سنن أبي داود أصلًا، ثم قال: فائدة -أهمل الرافعي الاستدلال على أن الماء لا تسلب طهوريته بالتغير اليسير بنحو الزعفران والدقيق. ونحو ذلك.

ولعل القارئ يلمس من إيرادنا لهذه المثل ولوعه بالاستطراد فيما يتصل بمهمته من قريب أو بعيد.

ولعل مما يؤكد حكمنا عليه بهذا الولوع إلى درجة توقع في العجب والغرابة أنه ذكر فائدة عن القشيري٢ قال: إنه أوردها بلا إسناد عن أبي الدرداء أنه قال: عليكم بالسواك فلا تغفلوه، فإن فيه أربعًا وعشرين خصلة، ذكر الحافظ منها إحدى عشرة خصلة أوردها واحدة واحدة ثم أشار إلى بقيتها بقوله: وذكر القشيري بقيتها، ثم قال بعد كل هذا: ولا أصل له لا من طريق صحيح ولا ضعيف.

وهذا أهم ما سنح لنا من ملاحظات عامة مشفوعة بالمثل التي تؤيدها في دراستنا لهذا الكتاب، على أننا -بعد هذا- لا نستطيع أن نغمط شيخ الإسلام في هذا المجهود القيم، الذي حشد فيه كثيرًا


١ التلخيص ج١ ص١٤ وما بعدها.
٢ التلخيص ج١ ص٧١.

<<  <   >  >>