للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه لم يكتف بذكر الطرف الأول للحديث ليدل به عليه، وإنما ذكر طرفه الأخير أيضًا لأنه محل الشاهد من الإيراد.

على أن كل هذا مهما كثر في الكتاب فإنه قليل جدًّا بالنسبة لما ورد من أحاديث كاملة غير منقوصة، حتى ليبدو أن ذلك شيء التزمه المؤلف فلا يتركه إلا لداع يستوجب ذلك.

ثالثًا: واستثناء مما ذكرناه من صفة الاستطراد الغالبة على المؤلف عند التخريج، فإن من واجب التحقيق العلمي أن نسجل هنا أنه لا يلتزم ذلك التزامًا كليًّا في جميع تخريجاته، وإنما يتجه أحيانًا إلى الاكتفاء بما يبين به مرجع الحديث ودرجته بل إنه أحيانًا يترك بيان الدرجة.

فما أورد مرجعه مع بيان درجته الحديث الثالث بعد الخمسمائة، وهو: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا" ١ قال في تخريجه: "أبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، وكذا شيخه ابن خزيمة من حديث ابن عمر، وفيه محمد بن مهران وفيه مقال: لكن وثقه ابن حبان وابن عدي.

وكذلك الحديث السادس بعد الخمسمائة، وهو: "صلوا قبل المغرب ركعتين، قال في الثالثة ٢: لمن شاء" خرجه بقوله: البخاري وأبو داود وأحمد وابن حبان واتفقا عليه بلفظ: "بين كل أذانين صلاة" وفي رواية ضعيفة للبيهقي بين كل أذانين صلاة ما خلا المغرب.

وكذلك الحديث الثامن بعد الخمسمائة، وهو: "الوتر حق وليس بواجب" ٣ قال: رواه ابن المنذر فيما حكاه مجد الدين بن تيمية، وفي الدارقطني عن أيوب: "الوتر حق واجب فمن شاء فليوتر بثلاث" ورجاله ثقات، وهو عند أبي داود أيضًا، قال البيهقي: والأصح وقفه على أبي أيوب، وأعله ابن الجوزي بمحمد بن حسان فضعفه، وأخطأ ابن الجوزي فإنه ثقة، وفي صحيح الحاكم عن عبادة بن الصامت: "الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وليس بواجب" ورواته ثقات، قال البيهقي.

ومثل هذا الإيراد للروايات المتعددة للحديث لا يعتبر استطرادًا بالمعنى الذي سبق لنا الكلام عنه، وإنما هو تخريج فيه دقة وأمانة ببيان درجة الحديث وما يتصل بمعناه، وليس خروجًا عنه إلى شيء آخر من دلالات الحديث الفقهية والمناقشات حولها، وإيراد أدلة المعارض وردها، إلى غير ذلك مما يعد استطرادًا بمعنى الخروج عن دائرة التخريج ومهمة المخرج.


١ التلخيص ج٢ ص٤٢.
٢ المراد أنه ذكرها مرتين ثم قال في الثالثة: لمن شاء، والحديث وارد في التلخيص ج٢ ص١٣..
٣ التلخيص ج٢ ص١٣.

<<  <   >  >>