للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيدًا، ولكن إلحاق تخريج أحاديث الإحياء به على هذا الوجه الذي طبع به الكتاب أصبح مغنيًا للقارئ عن استكمال الحديث في كتاب التخريج، فإن الحديث بتمامه مذكور في الأصل الذي خرجت أحاديثه وفي نفس الصحيفة.

أما بيان منهج المصنف في هذا الكتاب فقد أغنانا عنه بما أورده في هذه المقدمة ونقلناه إلى القارئ الكريم.

غير أننا في محاولة تتبعنا لهذا الكتاب سنحت لنا ملاحظات نكتفي بالإشارة إلى أهمها وهي ما يأتي:

أولًا: لم يعن العراقي بتخريج الآثار الواردة عن الصحابة وغيرهم، وإن كان عنوان كتابه يسمح بذلك، فإنه خاص بتخريج ما في الإحياء من الأخبار -سواء قلنا إن الخبر مرادف للحديث، أو قلنا إنه أعم من الحديث وغيره، على ما ذكره الحافظ ابن حجر في النخبة- ولكنه لم يتجه إلى تخريج الموقوفات خشية الإطالة الزائدة، ولم ير ما يدعو إلى تلك الإطالة لأن عناية المحدثين بالأحاديث النبوية أكثر، فتخريجها أيسر، ولأن الركن الأعظم في الاستدلال هو السنة. فضلًا عن أن كتاب الإحياء ليس المقصود فيه الاستدلال الذي يدعو إلى تحري جميع الأخبار، وإنما هو كتاب توجيهي يشحن النفوس بطاقات روحية هائلة، تندفع بها إلى مستويات رفيعة من التهذيب الخلقي والكمال النفسي، وهو قدر يتحقق بما في تلك الآثار التي تأثر أصحابها بما في الدين الإسلامي من معان سامية فأبرزها توجيهات صالحة وهدايات راشدة، وهذا القدر لا يحتاج إلى تحر وتفتيش للتعرف، فإنها لا تخرج عن أن تكون من الحكم التي هي ضالة المؤمن كما ورد في الحديث الشريف١، فلهذا لم تتجه عناية المؤلف إلى تخريجها مع الأحاديث، حتى لا تزاحمها على ذلك المجهود الجبار في تخريج الأحاديث النبوية.

وقد رأينا أن الحافظ العراقي صرح في مناسبة تخريج أثر موقوف بأن الآثار ليست من شرط كتابه، ولكن الأثر: "إن من مكفرات الذنب أن تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلي ركعتين" الذي أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما كان هذا الأثر في نظر الغزالي يحتمل أنه حديث موقوف ذكره العراقي في التخريج احتياطًا لهذا الاحتمال٢، وقد سلك العراقي مسلك الاحتياط في محل آخر قد يكون مقابلًا لهذا المجال، فإن الغزالي أورد رواية ضمن استدلال بأحاديث قبله وبعده، ثم أورد بعد ذلك الآثار مما يدل على أنه يقصد بقوله يروي الخبر بمعنى الحديث، ويؤكد ذلك أنه قال قبل ذكر الآثار: والأخبار في هذا لا تحصى، ولكن الحافظ العراقي -لشدة تورعه ومبالغته في الاحتياط- اعتبر هذا التخريج احتياطًا لقصد الغزالي لأنه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه يقصد به شيئًا آخر غير الحديث، وهو تصرف من العراقي


١ "الحكمة ضالة المؤمن" حديث أخرجه الدارقطني كما في كنوز الحقائق بهامش الجامع الصغير ج١ ص١٢١.
٢ المغني ج٤ ص٤٧.

<<  <   >  >>