وأدخلت إلى بيت وأقفل علي الباب، وذلك في جوف الليل، وليس في البيت سراج، فأردت أن أتمسح للصلاة فمددت يدى فغذا أنا بإناء فيه ماء وطشت موضوع فتوضأت للصلاة وصليت، فلما كان من الغد أخرجت تكتى من سروالي وشددت بها الأقياد أحملها وعطفت سراويلي، فجاء رسول المعتصم فقال: أجب، فأخذ بيدي وأدخلني عليه والتكة بيدي أحمل بها الأقياد، وإذا هو جالس وابن أبي داود حاضر، وقد جمع خلقاً كثيراً من أصحابه ومعهم أبو عبد الرحمن الشافعي.
قال إبراهيم بن محمد بن الحسن: فأجلس بين يدي وكانوا هولوا عليه وقد كانوا ضربوا عنق رجلين، فنظر أحمد إلى أبي عبد الرحمن الشافعي فقال: أي شئ تحفظ عن الشافعي في المسح؟ فقال ابن أبي داود: أنظروا رجلاً هو ذا يقوم لضرب العنق يناظر في الفقه؟ ! .
قال صالح قال أبي: لما دخلت إليه قال لي - يعني المعتصم -: أدنه أدنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال: أجلس فجلست، وقد أثقلتنى القيود فمكثت قليلاً ثم قلت: تأذن في الكلام؟ فقال: تكلم فقلت: إلام دعا الله ورسوله؟ فسكت هنيهة، ثم قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فقلت أنا أشهد ان لا إله إلا الله، ثم قلت: إن جدك ابن عباس قال لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن الإيمان فقال:((أتدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا الخمس من المغنم)) قال أبي فقال: لولا أنى وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت لك.
ثم قال: يا عبد الرحمن بن إسحق: ألم آمرك أن تدفع المحنة؟ قال أبي: فقلت: الله أكبر، إن في هذا لفرجاً للمسلمين. ثم قال لهم: ناظروه وكلموه.