للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربيعة: والله لآتينهم غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم. فقال له عبد الله بن ربيعة: لا تفعل، فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه.

فلما كان الغد قال للنجاشي: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح، ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنا ما كان، فلما دخلوا عليه، وسألهم قال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلّى الله عليه وسلم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.

فأخذ النجاشي عودا من الأرض، ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت [١] بطارقته، فقال: وإن نخرتم والله.

ثم قال للمسلمين: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي- والشيوم: الآمنون بلسان الحبشة- من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم- والدبر الجبل بلسان الحبشة.

ثم قال لحاشيته: ردّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه.

قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءوا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار «١» .

هذه رواية ابن إسحق، وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين «٢» لكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها ابن إسحق تقريبا، ثم إن تلك الأسئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي.

[اخفاق المهمة]

أخفقت حيلة المشركين، وفشلت مكيدتهم، وعرفوا أنهم لا يشيعون ضغينتهم إلا في حدود سلطانهم، ونشأت فيهم من أجل ذلك فكرة رهيبة. رأوا أن التفصي عن هذه «الداهية» لا يمكن إلا بكف رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن دعوته تماما، وإلا فبإعدامه، ولكن كيف السبيل إلى


(١) ابن هشام ملخصا ١/ ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٣٧، ٣٣٨.
(٢) مختصر السيرة للشيخ عبد الله النجدي ص ٩٦، ٩٧، ٩٨، وفي تلك الصفحات تفصيل الأسئلة والأجوبة.

<<  <   >  >>