للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما يغضبه وما هو ضلال، وكلها تذكر بالتعرض إلى مرضاة الله والإقلاع عن عصيانه وما يفضي إلى غضبه، فذلك صد عن الفحشاء والمنكر. وفي الصلاة أفعال هي خضوع وتذلل لله تعالى من قيام وركوع وسجود وذلك يذكر بلزوم اجتلاب مرضاته والتباعد عن سخطه. وكل ذلك مما يصد عن الفحشاء والمنكر. وفي الصلاة أعمال قلبية من نية واستعداد للوقوف بين يدي الله وذلك يذكر بأن المعبود جدير بأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه. فكانت الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي عن الفحشاء والمنكر، فإن الله قال: {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ولم يقل: تصد وتحول ونحو ذلك، مما يقتضي صرف المصلي عن الفحشاء والمنكر. ثم الناس في الانتهاء متفاوتون، وهذا المعنى من النهي عن الفحشاء والمنكر هو من حكمة جعل الصلوات موزعة على أوقات من النهار والليل؛ ليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ، وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفوس وتتباعد النفس من العصيان حتى تصير التقوى ملكة لها. ووراء ذلك خاصية إلهية جعلها الله في الصلاة يكون بها تيسير الانتهاء عن الفحشاء والمنكر" (١).

ثالثًا: حصول النور لأهلها في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصلاة نور) (٢).

قال النووي: " معناه: أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به، وقيل: معناه: أنه يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة، وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: ٤٥]. وقيل: معناه: أنها تكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضًا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل، والله أعلم" (٣).


(١) التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٠/ ١٧٨).
(٢) رواه مسلم (١/ ٢٠٣).
(٣) شرح النووي على مسلم (٣/ ١٠١)

<<  <   >  >>