وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد من معرفتين: إحداهما معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان؛ فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه. الثانية: معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبداً مسخراً مربوبًا حتى يتولد من المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه، فيعبر عنه بالتعظيم وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع؛ فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله؛ لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن إليه، وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به، وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض.
وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة … وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه، ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة، فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة. وأما الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل، ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث دخلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها، مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل، والعلم بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت، وهذه المعارف إذا حصلت يقينًا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء. فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه ففي معرفة السبب معرفة العلاج" (١).