بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم؛ لأن من لا يخاف لا يسمى هائبًا، والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة، بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة والهيبة خوف مصدرها الإجلال.
وأما الرجاء فلا شك أنه زائد، فكم من معظم ملكًا من الملوك يهابه أو يخاف سطوته، ولكن لا يرجو مثوبته. والعبد ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته ثواب الله عز وجل، كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل. وأما الحياء فهو زائد على الجملة؛ لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب.
وأما أسباب هذه المعاني الستة: فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة؛ فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك، ومهما أهمك أمرٌ حضر القلب فيه شاء أم أبى، فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه، والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلاً، بل جائلاً فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا، فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها، وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى، وأن الصلاة وسيلة إليها، فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة، وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك، فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنن أن له سببًا سوى ضعف الإيمان، فاجتهد الآن في تقوية الإيمان … وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى، وعلاجه ما هو علاج إحضار القلب مع الإقبال على الفكر والتشمر لدفع الخواطر. وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها -أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها- وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر، فمن أحب شيئًا أكثر ذكره، فذكر المحبوب يهجم على القلب بضرورة؛ لذلك ترى أن من أحب غير